استضافت جامعة الروح القدس - الكسليك، السفير الفرنسي برونو فوشيه في محاضرة بعنوان: "وظائف العمل الدبلوماسي وسياسة فرنسا الخارجية في الشرق الأوسط"، نظمها مكتب العلاقات الدولية في الجامعة.
واستهل فوشيه محاضرته بعرض مسيرته الأكاديمية، فهو "خريج المدرسة الوطنية للاحصاء والإدارة الاقتصادية والمعهد الوطني العالي للادارة، حاصل على دبلوم في الدراسات المعمقة بالتاريخ والحضارة الاقتصادية، ودبلوم من معهد الدراسات السياسية في باريس".
كما عرض مراحل حياته المهنية، حيث "شغل مواقع عدة في السلك الدبلوماسي الفرنسي، ففي العام 1990 انضم إلى إدارة المنظمات الدولية في الأمم المتحدة في الإدارة المركزية، وشغل منصب السكرتير الأول لبعثة فرنسا الدائمة في الأمم المتحدة الى نيويورك، عين مستشارا ثانيا في طهران، ثم مستشارا أولا في الرياض. ثم شغل منصب نائب مدير قسم أفريقيا الغربية في وزارة الخارجية الفرنسية، ثم سفيرا في تشاد ثم سفيرا في طهران. وقبل مجيئه الى لبنان، كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة المعهد الفرنسي".
ولفت الى أنّ "مبدأ الاختيار كان محرك حياته الأساسي وقد تقصد أن يختار شيئا لا يعرفه". ووصف العمل الدبلوماسي على أنه "عمل متكامل وفعلي وطويل الأمد يبدأ من عمر العشرين ويستمر حتى عمر الستين، ويفتح الطريق أمام خيارات وأبواب كثيرة لأنه متشعب، إذ يضم اختصاصات عدة مثل العلوم السياسية والتاريخ والآداب والعلوم الاجتماعية والاقتصادية... ويفسح بالمجال أمام تعلم لغات جديدة والتعرف على حضارات وثقافات وشعوب أخرى، فعندما كنت سفيرا في إيران تعلمت اللغة الفارسية وعمقت معرفتي الثقافية حول هذه الحضارة. وتتطلب الدبلوماسية احتكاكا مباشرا مع شعب البلد المضيف واحترام عاداته وتقاليده والتكيف مع وضعه الداخلي، لأن الدبلوماسية ليست مفاهيم مجردة بل فعل ملموس يتضمن مفاهيم حقيقية تحاكي الواقع وتشترط القيام بالأبحاث والتثقيف الذاتي المستمر والتواجد الدائم في قلب الحدث، وأحيانا مواجهة مخاطر محدقة مثل الحروب والمواجهات المسلحة، وكل ذلك بهدف ممارسة دبلوماسية فاعلة".
واعتبر أنّ "الدين يأخذ حيزاً كبيراً في عالمنا اليوم، فبتنا نواجه صراعات ونزاعات ومشاكل أساسها الدين، وهنا يبرز دور الدبلوماسية في معالجة هذه المشاكل وخلق التواصل بين الشعوب وبناء جسور الالتقاء والتوافق وهدم الجدران الفاصلة وتخطي عوائق الحوار. ولا بد من الإشارة إلى أنّ السياسة ليست من فعل رجال السياسة والوزراء حصرا، بل هي نتاج العلاقات البشرية والتواصل والإحتكاك مع مختلف الفئات السياسية والمجتمعية".
وعن تجربته في لبنان التي بدأت في شهر تموز 2017، أشار إلى أنّ "لبنان هو خلاصة لثلاثة مبادئ، هي العامل العسكري والأمن والسياسة"، متطرقا إلى "الوضع السياسي الراهن وهيكلية النظام السياسي ونقاط ضعفه ودور الفئات والأحزاب السياسية".
وتناول موضوع "الصراع اللبناني - الإسرائيلي والتهديدات الإسرائيلية التي لا تزال تواجه لبنان"، منوها ب"إرادة اللبنانيين الصلبة وتمسكهم القوي بكل شبر من أرضهم ورفض التفريط بها رفضا قاطعا، علماً أنّ هذا الصراع قد تفاقم مؤخرا بالتزامن مع اكتشاف النفط في لبنان".
ثمّ انتقل للحديث عن السياسة الخارجية لفرنسا في الشرق الأوسط، فاعتبر أن "تعريف العالم العربي هو أمر معقد نظراً إلى اختلاف المعايير المتبعة، أكانت جغرافية أم إيديولوجية أم سياسية. وتبرز علاقة اقتصادية مميزة بين فرنسا والعالم العربي لأنها تعتبر سوقا لتصدير البضائع العربية. أمّا سياسة فرنسا في العالم العربي فهي قديمة العهد وقام برسمها الجنرال ديغول وتطورت مع مرور الزمن، وهي تستند إلى ثلاثة مبادئ، أوّلاً: السياسة الفرنسية تصنع في باريس وليس في واشنطن، ثانيا: سياسة حاسمة تجاه إسرائيل وتجاه الصراع العربي - الإسرائيلي، هذا الصراع الذي يصعب حله، ثالثا: تحمل مسؤولياتنا حول عملية إرساء الأمن في العالم العربي، لهذه الغاية شاركنا في الحرب على داعش. واللافت هو أن الرؤساء الفرنسيين المتعاقبين لطالما كانوا أوفياء لهذه السياسة وركائزها، واليوم مع الرئيس ماكرون تطبق هذه السياسة كاملة. إذا، تمتلك فرنسا جميع المقومات السياسية والاقتصادية والتاريخية لتقول كلمتها في العالم العربي وليكون لها التأثير الأكبر فيه، خصوصا وأن عدد كبير من البلدان العربية هي بلدان فرنكوفونية. أما لبنان فلطالما كان بلدا مميزا بالنسبة لفرنسا حيث يرتبطان بعلاقات إنسانية وتاريخية استثنائية".