لم يكن الشاب فريدي معلوف يتوّقع أن تجري الرياح عكس ما تشتهي السفن، رغم أنّه كان في طور تحديه لتلك الرياح العاصفة عبر هواية ما انفكّ يمارسها كلّما سنحت له الفرصة بذلك. وما عاشه هذا الشاب في القرنة السوداء لمدّة تقارب الثلاثة أيّام، أشبه بفيلم سينمائي من نوع "الأكشن".
وفي التفاصيل كما يرويها المواطن نافذ طوق لـ"لبنان24"، أنّ معلوف عادةً ما يلجأ إلى الجبال للممارسة الـ Snow caving التي يعشق. وتقتضي هذه الهواية أنّ يحفر الشخص في الثلج لصنع ما يشبه المغارة أو الإيغلو حيث يبيت هناك كنوع من المغامرة.
يضيف طوق: "توّجه معلوف إلى القرنة السوداء نهار السبت الفائت حيث كان يتسلق الجبال وقرر البقاء حتى الأحد بانتظار العاصفة المرتقبة كي يختبر مغامرة جديدة."
معلوف كان يرافقه كلبه، وبحسب محدثنا كان يفترض أن يلحق صديق الشاب به كي يبيتا سوياً في المغارة التي ستُحفر في الثلوج، وهذا الشخص كان سيحمل معه الطعام. لكنه لأسباب ما، لم يأت.
حفر معلوف الإيغلو الخاص به، ونصب خيمته في داخله كي ينام فيها. لكنّ ما حدث فجر الإثنين لم يكن ابداً في الحسبان، إذ "هبطت" المغامرة على خيمة معلوف وغمرتها بالثلوج.
يشرح طوق، ابن بشري وأحد المغامرين الذين تعرفهم جبال تلك المناطق عن كثب، ان مقاومة عوامل الطقس في تلك البقعة، اي على ارتفاع 3000 متر عن سطح البحر، ليس بالأمر السهل.
كانت درجات الحرارة تلامس 16 درجة مئوية تحت الصفر. الرياح الباردة تنخر العظام، ولا من في ذلك المكان البعيد.
بحسب طوق، قام كلب معلوف بدور بطولي في إنقاذه، سيّما وأن الكلاب تتقن الحفر. هذا الحيوان الوفيّ لم يترك صاحبه ولا للحظة، بل قاوم معه ونجح في إبعاد الثلوج المتراكمة على الخيمة.
في تلك البقعة التي كان معلوف عالقاً فيها، لم يكن من ارسال كي يتمكن الأخير من الاتصال لطلب النجدة. بقي في مكانه من دون طعام، مغموراً في الثلوج و"مقيّداً" بصقيع القرنة وعاصفتها، حتى فجر الثلاثاء حيث تمكن من المشي لمسافة قريبة واتصل بالجيش اللبناني لإبلاغه عن وضعه.
بدأت رحلة البحث فوراً، لكنّ العاصفة كانت أكبر عائق أمام العثور على المواطن المفقود.
يقول طوق أنه شعر بالمسؤولية سيّما وأنه يعرف القرنة السوداء "قرنة قرنة"، كما أنّ معلوف صديقه. كان يريد أن يتوّجه إلى المنطقة للبحث عنه منذ ليل أمس، لكنّ عائلته عارضته نظراً للمخاطر التي يمكن أن يتعرّض لها,
كان طوق قد استدلّ عن نقطة تواجد معلوف من صديق (والتي أبلغ عنها المفقود نفسه)، فانطلق فجر اليوم إلى المنطقة برفقة أخيه. رفاق أخرون أيضاً توّجهوا إلى هناك على أمل انقاذ الشاب.
استخدم طوق مركبة "السكيدو" التي يملكها وانطلق في مجهول الثلوج بحثاً عن الصديق. بالفعل، وصل إلى المكان الذي كان قد توّقعه، وهناك رأى الكلب يخرج من الخيمة ثم شاهد يد معلوف يرفعها عالياً، فأدرك أنّه بخير.
نقل طوق وشقيقه المفقود وكلبه على متن مركبات التزلج بعد تقديم الاسعافات الاولية، وفي الطريق التقوا بالقوى الأمنية والجيش التي كانت على وشك الوصول ايضا الى نقطة الاختفاء، فتمّ تسليم معلوف إليها.
مغامرةٌ انتهت على خير. وطوق الذي سبق وخاض مغامرة "افرست" ومغامرات كثيرة أخرى، اختبر هذه المرة تجربة جديدة ستضاف إلى كتاب ذكرياته الفريدة. أمّا معلوف الذي حاولنا مراراً الاتصال به لكنّ خطه كان مقفلا، فلن ينسى حتماً ما عاشه في أعلى نقطة في لبنان، بخاصة مع حيوان أثبت أنّه عنوان الوفاء.