لا شك أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حرص منذ الأساس على ألا يفوت فرصة استضافة لبنان القمة العربية الاقتصادية التنمية بدورتها الرابعة، لاعتبارات عدة تتعلق بـ:
- أولاً: موقع لبنان ودوره الذي لا زال تائها على ضوء المتغيرات التي لحقت بالمنطقة.
- ثانياً: بالدور الوظيفي التاريخي الذي كان يتمتع به لبنان كحالة جذب مالي ومصرفي وتجاري وسياحي بعدما تقدمت عواصم دول عدة في العالم العربي وخارجه في هذا السياق اكثر من بيروت، فعلى سبيل المثال فان البحرين تصنف اليوم سوقا مالية وابو ظبي سوقا تجارية واستثمارية.
- ثالثاً: بالنسبة للرئيس عون بالذات، فإنان انعقاد القمة في بيروت حظي باهتمام شديد كأي عهد يبحث عن تلقف استحقاقات كهذه والبناء عليها بالمعني الإيجابي بمعزل عن أن لبنان ينوء تحت ثقل أزمات داخلية بعضها بنيوي ومحلي يتصل بالمشكلة الاقتصادية التي تلقي بثقلها على البلد والأزمة السياسية الخلافية التي أدت الى انقسام مفاهيمي، وبعضها آخر مرتبط بتطورات الإقليم المتعلقة بالحرب السورية وأزمة النزوح وصفقة القرن وتوطين الفلسطينيين.
لقد استطاع الرئيس عون بالحد الأدنى أن يصل بالقمة الى شاطىء الأمان رغم الضرر الذي اصيبت به بالشكل نتيجة اعتذار غالبية القادة والرؤساء العرب عن الحضور، علما ان حدث مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني المفاجئة في اللحظة الاخيرة عقب اعتذاره تأتي في سياق محاولة الدوحة إثبات أنها تتمايز عن المحورا السعودي المصري الاماراتي، وأنها لا تخضع لأية خطوط حمراء. فالعدد الكبير من الصف الأول من القادة العرب عدل عن المشاركة بعد جولة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو واستنفار واشنطن ضد طهران لاعتبارها أن بيروت عاصمة مرتبطة استراتيجيا بالمحور الايراني – السوري. وبالتالي فان حضور تميم، وإن كان متوقعا ان ينخرط اكثر بمفاعيل المشاركة، لكنه فضل أن تكون لحظة وميض اظهر أنه لا يعيش هذه العقدة الايرانية وليس موجودا تحت سقف خيارات ليست نابعة من الموقف القطري وقراءته.
لا ريب ان كلمات الرؤساء في القمم العربية او امام المنظمات الدولية تحافظ دوما على الطابع الاكاديمي المهني المتعلق بجوهر واسباب انعقادها، بيد أن الاكيد ان كلمة الرئيس عون الجريئة كالعادة في افتتاح القمة الاقتصادية لم تخلو من النتوءات السياسية والتي يمكن حصرها بـخمسة:
موقف الرئيس المبدئي من العودة الامنة للنازحين إلى المناطق المستقرّة التي يمكن الوصول اليها، أو تلك المنخفضة التوتر، من دون أن يتم ربط ذلك بالتوصل الى الحل السياسي، واصراره على الموقف اللبناني التي يرفض العودة الطوعية، بدليل أن القمة العربية التنموية أقرت الاقتراح اللبناني في شأن ازمة النازحين واللاجئين.
تأكيده على موقع سوريا ودورها من دون ان يسميهاعندما قال "كنا نتمنى أن تكون هذه القمة مناسبة لجمع كل العرب، فلا تكون هناك مقاعد شاغرة، وقد بذلنا كل جهدمن أجل إزالة الأسباب التي أدت الى هذا الشغور"، لا سيما ان هذا الكلام كان سبقه موقفا صريحا من وزير الخارجية جبران باسيل خلال اجتماع وزراء الخارجية العرببقوله "سوريا يجب أن تعود إلينا لنوقف الخسارة عن أنفسنا".
موقفه الجريء والدائم الذي يعبر عن موقف لبنان التاريخي من الصراع العربي الاسرائيلي سواء في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي يحاول البعض تصفيتها او في ما خص التهديدات الإسرائيلية والضغوط المتواصلة على لبنان، والخروقات الدائمة للقرار 1701، وللسيادة اللبنانية، براً وبحراً وجواً.
تشديده على حرص لبنان ان يكون نقطة جمع بين العرب وليس نقطة انقسام، بالتاكيد على دوره ورسالته في محيطه والعالم.
دعوته البيت العربي الى الوحدة حتى يكون بمستوى التحديات والتصدي وتجاوز التبعثر الذي يعيشه، بقوله أن "كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل بيت منقسم على ذاته لا يثبت".
ولما كانت القمة اقتصادية تنموية فمن الطبيعي ان يتقدم عون بمبادرة ترمي إلى اعتماد استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية، في مقدمتها تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها، ويسهم في نموها الاقتصادي المستد، بيد ان الواقع العربي الراهن ينذر بصعوبة تحقيق ما تقدم، من جراء التشظي السياسي العربي في ظل الانقسامات المستشرية. فهل يستفيق العرب على حالهم؟