في غضون أسبوع ونصف فقط، غادر الإدارة الأميركية 3 جنرالات، أبرزهم وزير الدفاع جايمس ماتيس، الذي سبقه مدير فريق البيت الأبيض الجنرال جون كيلي، وصولاً إلى استقالة المبعوث في أزمة قطر الجنرال أنتوني زيني أمس الثلاثاء.
هذه التطورات تأتي في ظلّ تثبيت حضور مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي ازداد نفوذه داخل الإدارة مع خروج بعض خصومه اللدودين، مع الإشارة إلى أنّ بولتون (71 عاماً) هو الرجل الذي عاصر وشارك في أربع إدارات أميركية، وسعى في كلّ منها إلى زيادة نفوذه على حساب خصومه.
ووفق "الحرة"، فإنّ "بولتون يجازف في تحركاته ومناوراته لكسب رضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والدفع بأجندة إقليمية راديكالية بتحولاتها وتقلباتها قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في 2020.
هذه المعادلة، أي مغادرة الجنرالات وصعود بولتون، تحيط اليوم أسلوب ونهج ترامب في التعاطي مع ملفات شرق أوسطية ساخنة، وأخرى دولية وسيكون لها تداعيات أكبر في العامين المتبقيين للولاية الأولى له في الحكم سنتطرق لها فيما يلي:
استقالة كيلي وماتيس وإلى حد أقل زيني تعني خروج الطاقم الحذر حول ترامب. فالجنرال كيلي كان حارس المكتب البيضاوي، يراقب ويغربل ماذا ومن يصل لمكتب الرئيس ومن يبقى خارجه. أما ماتيس فمن المعروف أنه كان عامل توازن في الإدارة وفِي كبح الرئيس، وتجاهل عدة مرات أوامر ترامب بتحضير خيارات عسكرية ضد إيران أو للإنسحاب من سوريا.
ومن المعروف أيضا التشنج بين كل من كيلي وبولتون الذي وصل لحد سماع صراخهما خارج الغرف الرئاسية الشهر الفائت، وأيضا الخلاف الكبير سياسيا وعسكريا بين بولتون وماتيس. أما زيني فاستقالته هي مسمار جديد في نعش الوساطة الأميركية في الأزمة الخليجية ونعي مبكر لقمة "الناتو العربي" (Mesa) الذي تحاول واشنطن تأليفه من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن.
بالنسبة لترامب، تعني هذه الاستقالات وإعادة تشكيله الفريق بعد الانتخابات النصفية، كسر القيود التي كانت تكبله في السياسة الخارجية ووضع طاقم متجانس لا يتحدى الرئيس أو يعارضه. فالانسحاب من سوريا بات هدفاً رغم تحفظات القيادة العسكرية، والجدار الحدودي بات رهانا مفتوحا رغم وقف التمويل الحكومي، فيما أضحى تحويل بوصلة أميركا شرقا باتجاه منافسة الصين الأولوية الأهم لهذه الإدارة.
في هذه التغييرات، يبرز اسم جون بولتون كرابح أساسي ولاعب يزيد نفوذه وتأثيره على ترامب. لنأخذ الانسحاب الأميركي من سوريا كمثال على ذلك. بولتون هو الشخص الوحيد الذي كان متواجدا خلال مكالمة ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 14 كانون الأوّل، وهو من رافق ترامب إلى العراق، وهو الموفد من البيت الأبيض إلى تركيا وإسرائيل لتنسيق الانسحاب.
بولتون وفي أقل من 8 أشهر له في البيت الأبيض، نجح في أن يدخل الحلقة الضيقة جدّاً حول ترامب، وأن يبرع في استخدام البيروقراطية الأميركية لصالح خياراته، وإخراج خصومه من الإدارة، وأبرزهم السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي وماتيس.
سياسياً، صعود بولتون إلى جانب ترامب لا يعني عودة لنهج المحافظين الجدد، بل سياسة أكثر بطشاً وانعطافات أكثر حدّة في السياسة الإقليمية. ذلك انعكس في الشروط الخمسة التي قدمها بولتون لتركيا حول الإنسحاب من سوريا، وطمأنة إسرائيل مع البحث بإمكانية الإعتراف بسيادتها فوق هضبة الجولان السورية. هذا يعني أيضاً سياسة متشدّدة حيال فنزويلا وفِي القارة الأفريقية وتطلع لزيادة الوجود الأميركي العسكري في آسيا.
أمّا داخل الإدارة، فإنّ صعود بولتون وخروج الجنرالات يُضعف وزارتي الدفاع والخارجية على حساب تقوية البيت الأبيض ومستشاري الرئيس. وما نقلته شبكة "فوكس نيوز عن إمكانية تعيين ميرا ريكارديل في منصب رفيع المستوى في وزارة الدفاع، وهي مستشارة بولتون السابقة، سيعزز موقع الأخير ونفوذه في عدّة دوائر ووزارات.