لا ريب أن شحنة التوتر العالي التي أحدثها رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل بإخلاله ببنود المبادرة الخماسية، والتي يفترض أن تطبق باكملها، أطلقت العنان مجدداً لفرملة التأليف راهناً، علماً أن الاتصالات لم تهدأ منذ ساعات بعد ظهر أمس على خط بعبدا - عين التينة - بيت الوسط - الرابية - حارة حريك، في محاولة لتدوير الزوايا مجدداً وانتزاع حل يرضي جميع الأطراف، الذين سلموا كلياً ان فكفكة العقدة السنية تفرض عليهم التضحية وتقديم التنازلات، لا سيما أن التأخير في التشكيل قد يحول العقدة إلى أزمة مفصلية.
فهل نسف المبادرةَ "الخماسية الأبعاد" غيابُ رئيس مركز الدولية للمعلومات جواد عدرا عن اجتماع "اللقاء التشاوري" في منزل النائب فيصل كرامي؟ فقد أكد مصدر مواكب لعملية تأليف الحكومة أن المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم أنهى مهمته بعدما وضع الاسماء التي اقترحها أعضاء اللقاء التشاوري في عهدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لاختيار اسم منها وفق الطرح المقدم. وتعتبر مصادر مقربة من الثنائي الشيعي لـ"لبنان24" أن "تغيب عدرا عن اجتماع الساعة الخامسة في الرملة البيضاء اعتبره رئيس المجلس النيابي نبيه بري خطأ جسيما"، رغم إدراك المعنيين أن رئيس الدولية للمعلومات أجرى اتصالات عدة قبل الموعد لكنه لم يستطع ان يغطي كل زوايا القرار ليبني على الشيء مقتضاه لجهة الحضور الى الجلسة التشاورية، ولذلك فضل عدم الحضور، الامر الذي خلق "نقزة" عند سنة 8 آذار الذين سلموا بتوزيره كممثل عنهم داخل مجلس الوزراء رغم كل ملابسات التسوية التي لم يكونوا على علم بها لا من قريب ولا من بعيد. وبالتالي، فإن اصرار الوزير باسيل الذي يفترض ان يمثل رأي رئيس الجمهورية، على ضرورة ان يكون عدرا عضوا في تكتل"لبنان القوي"، يفرغ القضية من مضمونها السياسي، لا سيما أن النقاش العاصف الذي طغى على اجتماع اللقاء التشاوري مع معاون الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله حسين خليل، حاول خلاله المعنيون انتزاع التزام من خليل ان عدرا سيكون ممثلاً لللقاء التشاوري في الحكومة، ولو كان من حصّة رئيس الجمهورية. لقد ذهب البعض إلى رمي المشكلة عند الرئيس المكلف سعد الحريري الذي لم يلتق بنواب سنة 8 آذار ولم يقدم تنازلا حقيقيا، بيد أن الواقع أبعد من ذلك، ويكمن، في أن باسيل، بحسب مصادر الثنائي الشيعي، نسف خريطة الطريق التي سلكها اللواء ابراهيم لحل العقدة السنية.
وعليه فإن إعادة الأمور الى مجاريها يتطلب تراجع الوزير البرتقالي عن موقفه من ان عدرا لن يكون إلا عضوا من اعضاء تكتل "لبنان القوي" . وتشدد المصادر عينها على أن وزير الخارجية لا يريد إخراج الحكومة من عنق الزجاجة إلا بعد ضمانه حصة من 11 وزيرا، ولذلك لجأ امس إلى محاولة خلخلة التوازن داخل مجلس الوزراء، بطرحه ان حصة الثنائي الشيعي يجب أن تتضمن وزيري دولة بالتوازي مع طرحه مقايضة حركة "أمل" وزارة البيئة بوزارة الاعلام التي وفق صيغة الرئيس المكلف حسمت لحصة "لبنان القوي"، على غرار وزارات الثقافة التي أسندت لحزب "القوات"، الصناعة للحزب التقدمي الاشتراكي، والأشغال لتيار "المردة"، والتي كان توزيعها قد حسم بشكل نهائي مع حل عقدة "القوات" قبل ثلاثة اشهر. كل ذلك بالتوازي مع ما يجري على مستوى توزيع الحقائب والاسماء ضمن حصتي العهد ولبنان القوي، والذي لا يمكن وضعه إلا في خانة ترتيب الاوراق وفق معركته الشخصية المستقبلية.
وبمعزل عما تقدم، ترى المصادر المعنية أن عدرا ليس الا ضحية اسقطتها حسابات الوزير العوني، خاصة وان اللقاء التشاوري عاد إلى البحث بإسم الوزير الذي سيمثّله، بعدما سحب إسم عدرا وضمّ اسم مدير عام شؤون الرئاسة في مجلس النواب علي حمد بدلاً من عدرا إلى أسماء عثمان مجذوب، حسن مراد، وطه ناجي، ليبنى على الشيء مقتضاه في الساعات المقبلة في القصر الجمهوري، علما أن اوساطا معنية دعت إلى انتظار موقف الرئيس عون من اللائحة الجديدة، لا سيما أن أي رفض لهذه الاسماء قد يفرض إعادة لملمة الأمور وفق المبادرة الخماسية.