هذا الشعب الذي "ثار" بالـ2005، وأطلق حراكاً مطلبياً ما لبث أن خمد وهجه في الـ2015، ها هو اليوم يقف على بوابة مطالبه محتاراً، أيتظاهر أو "بيزعل الزعيم"؟
هذه الازدواجية في المواقف لدى الشعب الذي يعاني الأمرّين في حياته اليومية، مع ولاء سياسي مطلق لخط ما، تتمظهر قبل كلّ تظاهرة، وتبدأ معها مرحلة التخوين ورمي الاتهامات، وشيطنة فلان وعلاّن، لتكون النتيجة بالنسبة للبعض، الجلوس بالبيت وشرب النرجيلة والسخرية من المتظاهرين الذين بحسب هؤلاء ينفذون أجندة "ما". فيا ليت "المعسل" يرتفع سعره عسى ولعل يثور هؤلاء!
البعض الآخر ينزل إلى الشارع "محقاً"، فتضيع حقوقه بين متردد ورافع راية "كلن إلا زعيمي"، وبين تضخيم الشعارات من مطالب محقة معيشياً وبيئياً واقتصادياً وسياسياً إلى "عصيان" لا مناخ له، و "إسقاط نظام" لا مؤشرات تدل عليه.
هذا الجدل حول التظاهر تصاعد في اليومين الأخيرين، على خلفية الدعوة للنزول إلى الشارع يوم الأحد المقبل، فانكفأ البعض عن المشاركة أو التعليق فيما هاجمها البعض الآخر تبعاً لمشاركة أحد المنشدين التابع لخط سياسي معين فيها، ودعوة بعض الإعلاميين الحزبيين إليها. ولأنّ الخلاف السياسي في لبنان فوق الهم المعيشي المتشرك وجد هؤلاء في الاختلاف مع بعض الشخصيات الداعية للتحرك ذريعة لشيطنته، وصولاً إلى حد وصفه بالـ"قمصان السود". واللافت أنّ بعض الذين كانوا يصفقون للسترات الصفراء في فرنسا، وجدناهم فجأة ومن المنبر ذاته يهاجمونها في لبنان مصوبين تارة على "اللون الأصفر" الذي يرتبط بحزب سياسي، ومحللين بما أمكنهم على التحليل أنّ الأمر لا يعدو صفقة تجارية لبيع هذه السترات!
الخلافات السياسية التي حوّلت لبنان، إلى دُوِل في دولة، طغت على الدعوة، فهذا التيار وجد في التظاهرة دعوة لإضعاف العهد، وآخر وضعها في سياق عرقلة تشكيل الحكومة وبالتالي التصويب على الطائفة التي تتبع لها رئاسة الحكومة، فيما اجتهد ثالث في فكرة "المؤامرة" فتحول التظاهر إلى خطة ممنهجة للتصويب على الأعياد ولمنع اللبنانيين من الاحتفال!
هذه الأجواء جميعها، تؤكد أنّ لا أفق لثورة في لبنان، وأنّ المطالب لن تتحقق في ظلّ شعب لا يهمه أن يظل عالقاً لساعات في زحمة السير، لا يهمه أنّ سعر الدواء في لبنان أضعاف السعر في الدول المنتجة، لا يهمه أنّ هناك من يبيع منزله لأجل عملية جراحية، ولا يهمه أيضاً أنّ الكرامة الإنسانية في لبنان باتت معدومة وأنّ الاقتصاد ينهار والبلد كما قال رئيس الجمهورية ميشال عون في تصريح له منذ أيام "ذاهب نحو المهوار".
فإن كان البلد باعتراف رئيسه يتجه "نحو المهوار"، والشعب الذي يعلم يتلهى بتخوين بعضه، ولا يأبه بحقوقه، فأي ثورة تلك؟ أي ثورة ونحن لا ننظر إلى الوجع الوطني المشترك؟ فما همّك أيها اللبناني تبعية المنشد أو الإعلامي؟ ما همّك في توقيت التظاهر؟ وإن كان في موسم الأعياد أم لا؟ ما يجب أن يهمك حقاً أن تلك المطالب هي حق المنشد وحق الإعلامي وحقك وحقي.. وحقنا كلنا في دولة أسقطت عنا الحقوق!
(نسرين مرعب)