وقال فريدمان إنّ كلاَ من هاتين الدعامتين من الأسواق والأفكار الحرة، يتعرض اليوم لهزة من التمردات الريفية وما وراء الضواحي للطبقات الوسطى الفقيرة العاملة إلى حد كبير، ومن الطبقة المتوسطة، التي لم تستفد بشكل عام من الطفرات في العولمة والهجرة والتكنولوجيا التي رفعت مدناً متألقة مثل لندن وباريس وسان فرانسيسكو وسكانها المتعددي الثقافات.
محال الشانزيليزيه
وقال إنّه بعدما شاهد "المنظر المروع للمحال الباريسية التي وضعت عليها ألواح لحمايتها من أعمال الشغب على طول الشانزليزيه التي يقوم بها بعض المحتجين من أصحاب السترات الصفراء، وبعدما قيل في روما قبل بضعة أيّام أن إيطاليا، وهي عضو مؤسس للإتحاد الأوروبي، يمكن أن تتخلى عن الاتحاد، مما يمكن أن يشكل صدمة لكلٍ من الاتحاد واليورو، وذلك تحت ضغط إئتلاف حكومي غريب من اليسار المتطرف واليمين المتطرف، وبعد رؤية بريطانيا مصابة بالشلل حول طريقة ارتكابها الإنتحار الإقتصادي من خلال الخروج من الإتحاد الأوروبي، وبعد رؤية الرئيس دونالد ترامب مهللاً لتفتت الإتحاد الأوروبي عوض دعم صحته، بات من الواضح بالنسبة لي إننا نمر بانعطافة حاسمة من التاريخ".
التحدي الأساسي
ورأى فريدمان أن التحدي الجوهري لكل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي هو الأمر نفسه: التنامي السريع للتكنولوجيا والعولمة قد تسبب بمجيء أعداد كبيرة من المهاجرين إلى زوايا بعيدة عن مجتمعاتهم- فالمساكن العامة في باريس اليوم يهيمن عليها المهاجرون- وفي الوقت نفسه تتغير أعراف اجتماعية كانت مجمدة - مثل زواج المثليين وحقوق المتحولين جنسياً- ولم يعد العمل المعتاد يحقق عوائد نسبية يمكن أن تحافظ من خلالها الطبقة المتوسطة على نمط حياة مقبول.
التوازن المطلوب
وأشار فريدمان إلى أن الطبقات المتوسطة التي حركت النمو في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في القرن العشرين قد بنيت على ما يسمى "الوظيفة ذات الأجر العالي والمتوسط". لكن الروبوتات والذكاء الإصطناعي والإستعانة بمصادر خارجية والواردات الصينية قد قضت على الكثير من الأعمال الروتينية للموظفين والطبقات المتوسطة. والآن هناك وظائف عالية الأجر بمهارات عالية ووظائف منخفضة الأجر بمهارات منخفضة.
لكن وظائف الأجور العالية والمتوسطة تتلاشى، مما يترك مجموعة كبيرة من الناس الذين لديهم دخل ثابت مستائين في المدن المعولمة. وعندما تتحدى كل هذه الأشياء معاً، وهي التي تثير عند الناس الشعور بالوطن والأمن الوظيفي وآمالهم بالنمو، ومن ثم تقوم بتجميعها مع الشبكات الإجتماعية، عندها تحدث ضربة حقيقية قوية، على غرار ما حصل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أنحاء بلاده.
من هذا المنطلق، يرى فريدمان وجوب إيجاد توازن بين الحاجة إلى النمو وإعادة التوزيع الإقتصادي، والإعتناء بهؤلاء الذين يشعرون بأنّهم تركوا في الخلف من دون تحميل الأجيال القادمة العبء، والحاجة إلى حدود حرة لتدفق المواهب والأفكار، إضافةً إلى جعل الناس لا يشعرون بأنهم غرباء في أوطانهم.