ولدى وصول رئيس الجمهورية واللبنانية الاولى الى مدخل الجامعة، قرعت أجراس الكنيسة، واستقبل الأب الجلخ الرئيس عون وقرينته اللذين دخلا الى الكنيسة وسط انشاد الجوقة لترنيمة النور.
وحضر التساعية السيدة نايلة معوض، والنواب: ابراهيم كنعان، الان عون، حكمت ديب، والنائب السابق ناجي غاريوس. كما حضر قائد الجيش العماد جوزاف عون والوزير السابق دميانوس قطار، الى عدد من المديرين العامين ومن الضباط من مختلف الاجهزة الامنية والعسكرية. وشارك في التساعية القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان المونسنيور ايفان سانتوس وحشد من الرهبان والكهنة الى عدد من امناء الجامعة وعمدائها واساتذتها ومؤمنين.
وبعد الانجيل، ألقى البطريرك الراعي تأملا ميلاديا حول الآية الواردة في انجيل يوحنا: "أرسل الله ابنه إلى العالم، ليخلص به العالم" (يو 17:3)، جاء فيه:
"في حضرة فخامة رئيس الجمهورية واللبنانية الأولى، وهذا الجمهور المنتقى روحيا ومدنيا، في رحاب الجامعة الأنطونية الزاهرة ودير سيدة الزروع، نتأمل في ميلاد فادينا الإلهي ومخلص العالم، يسوع المسيح.
إن الله، سبحانه، كي يوطد السلام والشركة معه، ويؤسس مجتمع الأخوة والمحبة بين البشر، بعد أن شوهته الخطيئة والشر بكل أنواعه، قرر بفيض محبته أن يدخل في تاريخ البشر بطريقة جديدة ونهائية. فأرسل ابنه في الجسد، جسدنا، لكي ينتشل به الناس من سلطان الظلمة والشيطان، وبه يخلص العالم ويصالحه (القرار المجمعي: في نشاط الكنيسة الإرسالي، 3). فنقول مع القديس أمبروسيوس وسائر آباء الكنيسة: "تأنس الله ليؤله الإنسان".
هذه هي عقيدتنا الإيمانية التي تجمعنا هذا المساء في افتتاح تساعية عيد ميلاد فادي الإنسان ومخلص العالم. إننا نتأمل سره مع مريم ويوسف، ونسبحه مع الملائكة، ونسجد له مع الرعاة، ونقدم له هدايا حياتنا الروحية المتجددة وأعمالنا الصالحة مع المجوس. ونصلي من أجل المسؤولين في الكنيسة وفي بلادنا وفي مقدمتهم فخامة رئيس الجمهورية، ملتمسين له ولهم مواهب الروح القدس الفائضة من سر المسيح المولود "عمانوئيل- الله معنا". فيوشحه ويوشحهم بهذه المواهب التي تنبأ عنها أشعيا كما سمعنا من القراءة وهي: روح الحكمة والفهم لإنارة العقول، وروح المشورة والقوة لتوجيه الإرادات في القرار، وروح التقوى ومخافة الله لدفء المحبة في القلوب (راجع أشعيا 11: 1-10).
في تساعية الميلاد وجهان متلازمان: وجه تاريخي يذكرنا بمسيرة الأجيال التي انتظرت وتاقت إلى مجيء المسيح الآتي، الذي عنه تنبأ الأنبياء والكتب المقدسة المعروفة بالعهد القديم؛ ووجه روحي يدعونا لنجعل من التساعية مناسبة للاستعداد الروحي للميلاد بالصلاة والتوبة وأعمال المحبة والرحمة تجاه الفقراء المحرومين من بهجة العيد، ونجعلها مناسبة لنتجدد في إنسانيتنا على صورة المسيح الإنسان الكامل الذي رسم في الإنسان المثال الإلهي ورممه بعد أن شوهته الخطيئة. "فباتخاذه طبيعتنا البشرية، رفعها إلى مرتبة وكرامة لا مثيل لهما، واتحد نوعا ما بكل إنسان، وأصبح مرآة حياتنا إذ اشتغل بيدي إنسان، وفكر بعقل إنسان، وعمل بإرادة إنسان، وأحب بقلب إنسان" (الكنيسة في عالم اليوم، 22).
من هذا التجدد الذي نرجوه لنا جميعا، ولكل الناس، ولا سيما للمسؤولين في العائلة والمجتمع والكنيسة والدولة، ينبثق لنا فجر حياة جديدة بالمسيح المولود في قلوبنا، الذي منه فجر إصلاح حقيقي شخصي وجماعي؛ وفجر مجتمع تسوده الأخلاق؛ وفجر دولة القانون والعدالة والمؤسسات؛ وفجر اطمئنان بمستقبل أفضل في وطننا يعيد ثقة شعبنا به وبالمسؤولين فيه. بهذا الرجاء نعلن: "ولد المسيح، هللويا!"
شكر الاب الجلخ
وفي ختام الرتبة، ألقى الزميل بسام براك كلمة شكر فيها رئيس الجمهورية واللبنانية الأولى والبطريرك الماروني والحضور لمشاركتهم في هذه التساعية، تلاه الأب الجلخ بكلمة جاء فيها: "أن تحبل بشرية بالإله، أن يساع الإله جسد، أن ينحني ملك الملوك ليحمل نسب رجل، وألا يجد الأزلي في الأرض، التي جعلها "موطئا لقدميه"، موضعا يسند إليه رأسه، فيولد في مذود. أليس كل ذلك تحديا لعقولنا؟ مع ذلك، فإن الهدف من الخشوع أمام المغارة ليس قياس عظمة الخالق أكثر منه أن نتعلم نحن الرجاء.
لذا تفصل الكنيسة لسر المغارة أسابيع ستة، ثم تفرد له تساعية، تكثف فيها إيقاع الانتظار، بل حرارة الرجاء، لأن الرجاء ليس انتظارا سلبيا، هو في مواجهة الصعوبة أمل وإصرار. وما أحوجنا في هذه الأيام التي تحيط فيها بلبنان صعوبات ومخاطر، من الخارج والداخل، على الحدود وفي المؤسسات، في الاقتصاد، والإدارة، والثقافة. ما أحوجنا إلى الأمل والإصرار.
نثق يا فخامة الرئيس بأنكم ممن لا تثنيهم صعوبة، وأنكم تستمدون من رجائكم المسيحي عزيمتكم، فترون العظمة في شعب ما عاد ينظر هو إلى نفسه بهذا التفاؤل، وما عاد يؤمن هو أنه قادر على تحوير المسار الانحداري لشؤونه اليومية. أما أنتم فتبهروننا كيف ترون إمكان الإصلاح حيث يرى آخرون فشلا، وتخططون للغد يوم يقنط معظمنا من إمكان أن يكون الغد أفضل من الأمس.
ونحن إذ نشخص إلى المغارة، نطلب من الطفل، الذي وهو في صورة الله لم يحسب مساواته لله غنيمة، أن يعلمنا كيف نتخلى عن أنانيتنا، ونبذل مصالحنا، بل أنفسنا ربما، من أجل ما ومن نحب: من أجل الوطن الذي نحب، من أجل أطفالنا الذين نحب، وينبغي أن نبني لهم وطنا بوسع أحلامهم.
أعايدكم منذ الآن، يا فخامة الرئيس، راجيا أن يحمل لكم العيد مزيدا من العزيمة والإيمان، وأن يضيء نجم الميلاد طريقكم في قيادة البلاد إلى بر الأمان.
أعايد صاحب الغبطة، رأس كنيستنا، ملتمسا صلاته من أجل الجامعة وأهلها والرهبانية وأبنائها.
وأعايد الحاضرين فردا فردا، آملا أن يزور العيد بيوت اللبنانيين جميعا، ولا سيما من يرزحون تحت نير الفقر والحاجة، من يرهقهم العمل المضني لتأمين العيش الكريم، ومن تقتلهم البطالة ويشتهون عملا ولا يجدونه؛ من يهاجرون وقلبهم في لبنان، ومن يعيشون في لبنان وعينهم على الهجرة. للبنانيين جميعهم، وأنتم "بي الكل"، أصلي، وتصلي معي الجامعة الأنطونية المجتمعة عائلتها الليلة هنا، ليحل الرب في قلوب الجميع سلامه وأمانه قبل الميلاد وفيه وبعده، وما دام الزمان.