صحيفة الجمهورية
مع إطلاق الولايات المتحدة الاميركية ما وصفتها الرزمة القاسية من العقوبات على إيران، دخل العالم كله في قراءة تداعياتها وتأثيراتها على النظام الإيراني، وما إذا كانت ناجعة الى حد تحقيق الهدف الأميركي من ورائها، والرامي الى حمل طهران على تغيير سلوكها والتوقف عن كونها عامل توتر وعدم استقرار في المنطقة، والمدى الذي ستبلغه وتحديداً، بالنسبة الى حلفاء إيران وفي مقدمهم «حزب الله»، الذي اتهمته واشنطن أمس، بأنّه يهدّد الاستقرار في لبنان والمنطقة.
إذا كانت هذه الرزمة من العقوبات قد أثلجت قلب اسرائيل واعتبرتها خطوة تاريخية، فإنّ طهران قرّرت مواجهة هذه الخطوة، وتحدّي الإدارة الاميركية بأنّها ستلتف على العقوبات، معلنة على لسان رئيسها الشيح حسن روحاني، أنّ «أميركا أرادت أن تخفّض مبيعات النفط الإيرانية إلى الصفر… لكننا سنواصل بيع نفطنا».
حذر لبناني
وفيما برز التحفّظ الاوروبي على الخطوة الاميركية، برغم تضمّنها جملة إعفاءات، كان لبنان يرصد بحذر شديد هذا الحدث، وسط أصوات بدأت تحذّر من أن تلفح رياح هذه العقوبات لبنان. فيما قلّلت أصوات أخرى من حجم تداعياتها.
ويبرز في هذا السياق، ما اكّدته وزارة المال في لبنان لـ«الجمهورية»، بأنّ لا انعكاسات مباشرة على العقوبات التي فرضتها أميركا على إيران، لانّ النظام المصرفي والمالي في لبنان يمتثل للقواعد العالمية ولا خلاف عليها، وهو أخذ كل الاجراءات منذ مدة وبالتالي، لم يعد من خطر طارىء عليه. ولم ترَ المصادر أي جديد في انعكاسات العقوبات على لبنان.
لكن المصادر تخوّفت من استمرار غياب السلطة التنفيذية، بحيث بدأت الامور تلامس الخطوط الحمر، إذ انّ لبنان يحتاج لتغطية نفقاته حتى نهاية العام الى 1400 مليار ليرة لبنانية. وبما انّ النفقات الى ازدياد والواردات محدودة، فهو كالعادة يحتاج الى قروض. والسؤال من سيُقرض لبنان في هذه الظروف وضبابية المشهد السياسي؟
العقوبات
وكانت دخلت العقوبات الأميركية «الأقسى» على إيران حيّز التنفيذ أمس، لتطال قطاعي النفط والمصارف، إضافة إلى 700 من الشخصيات والكيانات.
وتأتي هذه الخطوة في إطار ما اعتبره وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، «مواصلة الضغط على إيران بلا هوادة، لمنعها من تمويل «حزب الله» اللبناني». في حين اعتبر وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوشين، انّ «العقوبات الجديدة تمثل ضغطاً اقتصادياً على النظام الإيراني لتغيير سلوكيات طهران وإحكام السيطرة على أكبر دولة راعية للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان في العالم».
وفيما تتوخى واشنطن أن يكون للجولة الثانية من العقوبات آثار مدمّرة اقتصادياً بشكل أكبر، حيث انّ تلك العقوبات تطال النظام المالي وقطاعي النفط والشحن، خصوصاً وانّها تترافق مع تزايد الضغط الاقتصادي المحلي هذا العام، وتراجع في قيمة العملة، ليساوي الدولار حالياً 144 ألف ريال إيراني.
وتمنع العقوبات الأميركية التي فُرضت أمس، كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأميركية، في حال قرّرت المضي قدماً بشراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية.
وتسمح العقوبات بالتجارة في السلع الإنسانية مثل الأغذية والأدوية، لكن الإجراءات المفروضة على البنوك والقيود التجارية قد تزيد من كلفة مثل هذه السلع.
وأكّد منوشين، أنّ «فرض الخزانة لضغوط مالية غير مسبوقة على إيران ينبغي أن يوضح للنظام الإيراني أنّه سيواجه عزلة مالية متزايدة وركوداً اقتصادياً، حتّى يغير أنشطته المزعزعة للاستقرار بشكل جذري».
وذكر، أنّ العقوبات تشمل 50 مصرفاً وكيانات تابعة لها وأكثر من 200 شخص وسفينة في قطاع الشحن، كما تستهدف الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) وأكثر من 65 من طائراتها.
إعفاءات
إلى ذلك، أعلن بومبيو أمس، أنّ بلاده ستعفي 8 دول بينها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وايطاليا واليونان وتركيا وتايوان، من الإلتزام بالعقوبات التي فرضتها على قطاع النفط الإيراني، وذلك لمدة 6 اشهر، مؤكّداً، انّ بلاده ستواصل الضغط على النظام الايراني «من دون هوادة» حتّى يغير سلوكه «المزعزع للاستقرار» في الشرق الاوسط.
ويؤكّد مراقبون، أنّ هذه الاعفاءات أتت لضمان عدم زعزعة استقرار أسعار النفط في العالم. فيما أوضح مسؤولون أميركيون، أنّ الدول المعفاة ستودع إيرادات إيران في حساب خاص، ستُستخدم أمواله لأغراض إنسانية، علماً أنّ هذه العقوبات يمكن ان تؤثر على أسواق النفط العالمية على رغم الاعفاءات المؤقتة.
وقال منوشين في مؤتمر صحافي مشترك مع بومبيو: «إذا حاولوا الالتفاف على عقوباتنا، سنواصل اتخاذ مزيد من الاجراءات لوقف نشاطهم.
وأوضح انّ «الضغط الأقصى الذي تمارسه الولايات المتحدة سيزداد، وعلى الشركات في مختلف أنحاء العالم ان تفهم اننا سنطبق العقوبات على نحو صارم».
«سويفت»
وأعلن المزود الدولي لخدمات التراسل المالي المؤمّن (سويفت) أمس، قراره «تعليق» وصول بعض البنوك الايرانية الى شبكته، بعدما كان بومبيو دعا «سويفت» الجمعة الماضي، الى استبعاد المؤسسات المالية الايرانية المُدرجة في اللائحة الاميركية السوداء، من خدماتها مع استثناء «التعاملات الانسانية».
وقالت شركة «سويفت»، التي مقرّها بروكسل، في بيان: «بناء على مهمتها في دعم صلابة النظام المالي العالمي ونزاهته، بوصفها تسدي خدمات عالمية ومحايدة، تعلّق «سويفت» وصول بعض البنوك الإيرانية الى شبكتها للتراسل». واعتبرت انّ «هذا الإجراء، على رغم أنّه مؤسف، اتُخذ من أجل مصلحة واستقرار ونزاهة النظام المالي العالمي في مجمله».
ويُذكر، أنّ خدمات «سويفت» تتيح ربط أكثر من 11 الف منظمة مصرفية وبنى تحتية وشركات متعاملة في أكثر من 200 بلد ومنطقة، بحسب الشركة.
إيران
في المقابل، أكّد الرئيس الايراني حسن روحاني أنّ الجمهورية الاسلامية «ستلتف بفخر» على العقوبات الاميركية. وقال في خطاب متلفز: «أُعلن أننا سنلتف بفخر على عقوباتكم غير المشروعة والظالمة، لأنّها تخالف القوانين الدولية».
وأضاف: «نحن في وضع حرب إقتصادية ونواجه قوة متغطرسة، ولا أعتقد أنّه في تاريخ أميركا دخل شخص إلى البيت الابيض وهو يخالف الى هذا الحد القانون والاتفاقيات الدولية».
واعتبر روحاني، أنّ «العدو (الولايات المتحدة) يستهدف الاقتصاد… والهدف الأساسي للعقوبات هو شعبنا».
وأوضح أنّ «أميركا أرادت أن تخفّض مبيعات النفط الإيرانية إلى الصفر… لكننا سنواصل بيع نفطنا… وخرق العقوبات»، مشدداً على أنّ العقوبات غير مشروعة ومجحفة.
وقال: «هذه حرب اقتصادية على إيران… لكن على أميركا أن تعلم أنّها لا تستطيع استخدام لغة القوة ضد إيران… ونحن على استعداد لمقاومة أي ضغط».
وشدّد روحاني على أنّه حتى من دون الإعفاءات، ستتمكن إيران من بيع نفطها.
ونقلت وكالة «مهر» الإيرانية عن روحاني قوله: «اليوم معظم دول العالم تقف في وجه أميركا وتدعم مواقف إيران». وأضاف: «حتى الشركات والحكومات الأوروبية غاضبة من السياسات الأميركية».
وفي حين تريد الإدارة الأميركية إبرام اتفاق جديد مع طهران يكبح تدخلاتها في الشرق الأوسط وبرنامجها الصاروخي، بعدما انسحبت من الاتفاق النووي المُبرم مع إيران عام 2015، قال روحاني: «يطلبون الجلوس للتفاوض، التفاوض من أجل ماذا؟». وتابع: «عليكم أولاً الالتزام بالمفاوضات التي أُنجزت، لكي يكون هناك أسس للمفاوضات المقبلة».
وكان وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف أكّد، قبل بضع ساعات من بدء العقوبات الأميركية الجديدة، أنّها ترتد على واشنطن، لا على الجمهورية الإسلامية، وتجعلها أكثر عزلة. مشيراً إلى معارضة قوى عالمية أخرى للخطوة.
وقال: «الإستبداد الأميركي سيأتي برد فعل عكسي، ليس فقط بسبب أهمية الاتفاق النووي، ولكن لأنّ العالم لن يسمح لترامب وشركائه بتدمير النظام العالمي».
وكتب ظريف على «تويتر»: «تنمّر أميركا يرتد عليها.. أميركا هي المعزولة وليست إيران».
المعارضون
الى ذلك، عارضت موسكو العقوبات على إيران، وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس في بيان: «سنفعل كل ما هو ضروري للحفاظ على التعاون الدولي والاقتصادي والمالي مع إيران وتوسيعه على رغم العقوبات الاميركية».
بدوره، أسف الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في بيان مشترك لقرار الولايات المتحدة، مؤكّدة سعيها لحماية الشركات الأوروبية التي لها تعاملات تجارية مشروعة مع إيران. مع الاشارة هنا، الى انّ المصارف والشركات الخاصة التابعة للدول المؤيّدة للاتفاق النووي والتي أنشأت مراكز لها في إيران، وجدت نفسها مضطرة للخروج من البلاد ومن بينها «توتال» و«بيجو» و«رينو» الفرنسية و«سيمنز» الألمانية، لأنّها لم ترد الدخول في مواجهة مع وزارة الخزانة الأميركية.
وكان ديبلوماسيون قد أكّدوا الشهر الماضي، أنّ آلية جديدة يضعها الاتحاد الأوروبي لتسهيل مدفوعات صادرات النفط الإيراني، تدخل حيز التطبيق قانوناً في 4 تشرين الثاني، لكنها لن تدخل حيّز التشغيل حتّى أوائل العام المقبل. فيما أعلنت سويسرا أنّها تُجري محادثات مع الولايات المتحدة وإيران، في شأن فتح قناة مدفوعات لأغراض إنسانية، بهدف المساعدة في مواصلة تدفق المواد الغذائية والأدوية إلى إيران.
على انّ اللافت للانتباه، هو انّ الدعم الوحيد لموقف الولايات المتحدة وعقوباتها على ايران، صدر من قبل إسرائيل التي بدت مبتهجة بالقرار الاميركي.
إسرائيل
أشاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، من جهته، ببدء فرض الرزمة الثانية من العقوبات الاميركية على إيران، معتبراً أنّ ما يحصل هو «يوم تاريخي».
وقال أمام نواب حزبه «الليكود»: «اليوم هو يوم تاريخي، إنّه اليوم الذي فرضت فيه الولايات المتحدة بقيادة الرئيس (دونالد ترامب) عقوبات شديدة جداً على ايران، عقوبات هي الاقسى التي تُفرض على إيران منذ بدء الجهود لوقف عدوانها».
وأضاف: «الرزمة الثانية من العقوبات، وخصوصاً تلك المفروضة على نظام المقاصة المصرفي الذي يستخدمه النظام الإيراني، ستوجّه ضربة قاسية للنظام الإيراني الإرهابي، إضافة الى انّها ستخنق الإرهاب الإيراني».
ورحّب وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان بدخول العقوبات الأميركية على قطاعي النفط والمال الإيرانيين حيّز التنفيذ، معتبراً أنّ إعادة فرضها يوجّه ضربة «حاسمة» لأنشطة إيران في المنطقة.
وقال في بيان، إن «قرار الرئيس (دونالد) ترامب الجريء هو التغيير الجوهري الذي كان ينتظره الشرق الأوسط». وأكّد أنّه «بخطوة واحدة وجّهت الولايات المتحدة ضربة حاسمة لترسّخ إيران في سوريا ولبنان وغزة والعراق واليمن»، متوجهاً بالشكر إلى الرئيس الأميركي.
ورغم انشغال إيران بالعقوبات الأميركية، أجرت القوات الإيرانية أمس تدريبات دفاعية جوية تضمنت اطلاق صواريخ أرض-جو.