حسين عليق – الأخبار
بعد نقله إلى مجمع الريتز كارلتون في الرياض، تمكّن الرئيس سعد الحريري من إيجاد وسيلة سرية للتواصل مع فريق عمله في بيروت، وتحديداً نادر الحريري وهاني حمود. هذا الثنائي لم يعرف بوجود بهاء الحريري في الرياض من الاتصالات السعودية بآل الحريري لدعوتهم إلى مبايعة بهاء. فسعد الحريري أعلمهما مسبقاً بذلك، برسالة بعث بها عبر «الوسيلة السرية» قال فيها: the volcano is here (البركان موجود هنا). و«البركان» هو اللقب الذي يطلقه الحريري وعدد من المقربين منه على شقيقه الأكبر بهاء، المعروف بسرعة غضبه وعدم إمكان السيطرة عليه في هذه الحالة. وأتبع الحريري رسالته شارحاً مخطط ابن سلمان لمبايعة بهاء، قبل أن يوصي بأن «عليكم ان ترفضوا». وبالوسيلة نفسها، طلب الحريري من فريق عمله إبلاغ رئيس الجمهورية بأنه لم يستقل بإرادته، وأن على عون رفض الاستقالة. أبلغ نادر الحريري وهاني حمود عدداً من اعضاء «خلية وادي أبو جميل» بوسيلة الاتصال السرية تلك، ووضعا رئيس الجمهورية في صورة ما يجري.
وسيلة الاتصال السرية لم تُستخدم حصراً لمعرفة أوضاع الحريري في الرياض. وعندما اختار السبهان الإعلامية (النائبة الحالية) بولا يعقوبيان لإجراء مقابلة مع الرئيس الحريري من الرياض يوم 12 تشرين الثاني، كان الهدف من المقابلة إثبات أن رئيس الحكومة غير مختطف. لكن الحريري وفريقه قرروا استخدام المقابلة لتثبيت صورة المختطف. وقد اجاد الحريري تنفيذ نصائح الثنائي نادر ــ هاني: نزع الزر الذي يحمل صورة والده عن سترته؛ الإكثار من شرب الماء؛ ان يقول عبارة «أنا تعبان» أو «تعبت»؛ أن يكرر عبارة «عندي عيلة»… وان يقول مواقف سياسية تعاكس ما قاله في بيان استقالته في المضمون، لكن من دون ان يتمكّن ابن سلمان ورجاله من «ضبطه متلبساً». وبالتأكيد، لم تكن يعقوبيان شريكة في «هذه اللعبة». بل هي نفذت الشق السبهاني من المقابلة، وخرجت بعدها لتنفي صفة المخطوف عن الحريري (أراد عقاب صقر أن يتوجه إلى الرياض برفقة يعقوبيان، لكن الحريري رفض ذلك، فأبلِغ صقر بضرورة العدول عن هذه الفكرة).
وسيلة الاتصال السرية بين الحريري وفريق عمله لم تقتصر على ما تقدّم. فبعد زيارته أبو ظبي (7 تشرين الثاني) و«إطلاق سراحه» من الريتز ونقله إلى الإقامة الجبرية في منزله، استقبل الحريري عدداً من الدبلوماسيين الغربيين المعتمدين في الرياض، أبرزهم السفيران الفرنسي والبريطاني، والقائم بالأعمال الأميركي، ورئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي. كان مكتب الحريري في بيروت يحدد مواعيد لهؤلاء الدبلوماسيين. وعبر وسيلة الاتصال السرية، كان يتم الاتفاق على «شيفرة» سيقولها الحريري لزائره، خشية أن يكون في منزله اجهزة تنصت. فعلى سبيل المثال، أبلغ فريق العمل في بيروت السفير الفرنسي بثلاث عبارات سيقولها الحريري للسفير الفرنسي في الرياض، لإثبات أنه ليس حراً، وانه يريد العودة إلى لبنان. وتبلّغ رئيس الحكومة هذه العبارات عبر قناة التواصل السرية، فقالها لضيفه.
لم يكن رجال ابن سلمان قادرين على منع سفراء الدول الغربية من زيارة الحريري، لكنهم ظنوا أن في مقدورهم استخدامها لإثبات «حرية» رئيس الحكومة. ورغم ذلك، لم يتمكنوا من كتم غيظهم، فارتكبوا، ضمن سلسلة حماقاتهم، غلطة بتفتيشهم سيارة السفير الفرنسي عند مغادرته منزل الحريري، ما أدى إلى احتجاج فرنسي شديد اللهجة، وإصرار على زيارة أخرى قام بها السفير نفسه إلى الحريري بعد أيام.