نقولا ناصيف – الأخبار
ما لم تحدث اعجوبة، لكن ليس قريباً على الاقل، قد لا تكون ثمة حكومة لبنانية جديدة قبل مطلع عام 2019. لم يعد يفصل الكثير عن هذا التاريخ، وهو اقل من شهرين. لكنه في حساب الازمة الداخلية المتعددة الوجه اشبه بدهر
يوم بعد آخر، مذ غادر الرئيس المكلف سعد الحريري الى باريس في الاول من تشرين الثاني، لا يصح وصف مسار تأليف الحكومة الثانية للعهد سوى بالتشاؤم. بعض قنوات الحوار كانت بذلت نشاطاً الاسبوع الماضي، اقفلت ابوابها في اليومين المنصرمين: لا حوار بين احد، ولا مع احد. الرئيس المكلف بعيد من هنا، والافرقاء المعنيون في واد آخر. الجميع عند تصلّبهم، ما يجعل الاعتقاد بتحريك التفاوض وتبادل الافكار، وليس صدور المراسيم، اشبه بأوهام.
تعزّز الصورة القاتمة هذه بضعة معطيات تصب الزيت على النار:
اولها، اتصال هاتفي من باريس اجراه الرئيس المكلف برئيس الجمهورية ميشال عون قال فيه العبارة الصادمة: توزير اي احد من النواب السنّة المعارضين اعتبره انتحاراً لي ونهاية لحياتي السياسية.
عبارة كهذه كانت كفيلة بالعودة بالتأليف الى الوراء، اكثر مما دفعه حزب الله بدوره الى الوراء عندما طرح الشرط الذي استفزّ الحريري وأخرجه عن طوره.
ثانيها، ما سمعه البعض من النائب السابق وليد جنبلاط من ان الايام ــــ وربما الاسابيع ــــ المقبلة متروكة للهدوء والتروي والسكينة فقط، قبل التفكير في اي خوض في تفاوض ما. المحسوم بالنسبة اليه ان احداً لن يتراجع عن موقفه حتى اشعار آخر.
ثالثها، رغم الموقف المعلن لرئيس الجمهورية، المتحفّظ عن توزير احد النواب الستة اولئك لسبب وجيه افصح عنه، في المقابلة التلفزيونية في 31 تشرين الاول، وهو انضواؤهم في تكتل غير منسجم، بيد ان ذلك لا يحجب حقيقة اخرى يتمسّك بها الرئيس، هي ضرورة تأليف حكومة تنطوي على تنوّع سياسي داخل المذهب الواحد في صفوفها، وعدم حصر تمثيل طائفة في فريق سياسي واحد. خيار كهذا سرى على المسيحيين والدروز والشيعة، وسيسري على تمثيل السنّة في الحكومة الجديدة.
لا يرغب عون في الخوض في الاسماء، لكنه بالتأكيد جازم بدفاعه عن ابقاء الميثاقية بعيداً من متناول اي فريق سياسي منفرد، لئلا يشل اجتماعات مجلس الوزراء. مع علم رئيس الجمهورية ان في وسع رئيس الحكومة، تبعاً للصلاحية الدستورية في المادة 69، اطاحتها عندما يعلن استقالته.
رابعها، ما هو متوقع من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالة السبت المقبل، بتأكيد الاصرار على توزير احد النواب السنّة الستة احتراماً لنتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، ودفاعاً عن تحالفه معهم.
خامسها، مكوث الرئيس المكلف في العاصمة الفرنسية حتى 12 تشرين الثاني، من دون الجزم ــــ ما لم تقع الاعجوبة ــــ في اي موعد يمكن ان يعود الى بيروت. المؤكد في ابتعاد الحريري انه ليس في وارد الاصغاء الى اي احد في المسألة التي يرفضها على نحو قاطع: لا توزير لأي من هؤلاء اياً يكن، وفي اي حصة أُدرِجَ. لن يوقّع مرسوماً يحمل إسم احدهم. بذلك يعكس تشدّداً مآله ان لا وزراء سنّة خارج تيار المستقبل، ما خلا حالاً واحدة هي إبرام مقايضة بينه وبين رئيس الجمهورية كي يحوز مقعداً مارونياً في حصته، على ان لا يكون في المقعد السنّي في حصة الرئيس احد اولئك.
بعدما كثر الحديث عن المقايضة هذه، على مرّ الاشهر المنصرمة من التكليف، تحوط بها في الوقت الحاضر بعض الشكوك، وخصوصاً بازاء اسم الوزير السنّي المرشح في حصة عون وهو فادي عسلي، لاسباب لا صلة للرئيس المكلف بها من قريب او بعيد. ناهيك بكلام محدث عن رغبة الحريري في الحصول على مقعد ارثوذكسي ربما يستبدل المقعد الماروني او يعوّضه، يرشح له وزيرة ارثوذكسية.
في مرحلة سابقة في مسار التأليف، طُرح توزير احد النواب السنّة الستة منذ اليوم الاول، واوحى الحريري ظاهرياً بانفتاحه على القبول به، بيد انه اشترط ان لا يكون النائب عبدالرحيم مراد. انذاك، شارع ترداد اسم النائب فيصل كرامي. على ان الرئيس المكلف نقض انفتاحه السابق، بعدما اوشك على انجاز مراسيم الحكومة الجديدة مع تذليل عقدة حزب القوات اللبنانية في 29 تشرين الاول. كان سمع من رئيس المجلس نبيه برّي اكثر من مرة ضرورة تمثيل السنّة المعارضين بمرشح في احسن الاحوال. بدوره حزب الله ارسل اليه مراراً رسائل تؤكد جديته في تبنّي هذا الفريق، كاسراً للمرة الاولى احتكار التمثيل السنّي بتيار المستقبل.
نصرالله يؤكد السبت الاصرار على توزير احد النواب السنّة الستة
منذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2005 الى اليوم ــــ ما خلا سابقة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (2011 ــــ 2013) التي قاطعها الحريري وحزبه ــــ لم يؤتَ الى السلطة الاجرائية وزير سنّي خارج عباءة الحريري، او بموافقته، او بالتنازل عنه لرئيس الجمهورية كما في حكومة 2016. الا ان اياً منهم ليس معارضاً له او مناوئاً شأن فريق الستة الحاليين.
سادسها، إستكمالاً لموقف نصرالله، ارسل حزب الله اشارات اساسية لا تكتفي بالتشبّث بتوزير احد النواب السنّة الستة فحسب، بل اقترح إسمين للمفاضلة بينهما هما فيصل كرامي او جهاد الصمد. مؤدى ذلك ان الحزب لا يكتفي بتوزير سنّي مناوىء للحريري وتيار المستقبل فقط، بل له مرشحه هو احد نائبي طرابلس او الضنية.
مغزى المعطيات تلك ان جهود التأليف راقدة الى وقت، ربما يطول، لكن في ظل تهدئة وتجميد اي تصعيد سياسي، باستثناء تأكيد الافرقاء المعنيين المؤكد عندهم، وهو اصرار كل منهم على وجهة نظره وشروطه، وتالياً ابقاء اليد على مكابح منع ابصار الحكومة النور.
على ان الايحاء بايصاد الابواب لا يعفي من القول ان الحل المحتمل، المتاح، ايجاد مخرج للعقدة السنّية على طريقة المقعد الدرزي الثالث، بعدما اثبتت هذه جدواها، وذللت مشكلة بدت في حينه مستعصية الاتفاق عليها. بيد انها ارضت الطرفين المتنافسين على المقعد الدرزي الثالث، شأن ما يقتضي ان يؤول اليه المقعد السنّي السادس حالياً.