نظم مركز الآداب والإنسانيات في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) مؤتمراً دولياً دام يومين وحمل عنوان "الدروز: الاحتفال بألف سنة من التنوع". وقد جمع المؤتمر الأكاديمي باحثين روّاد
ساهموا في مجال دراسات الشرق الأوسط مع اهتمام خاص بالدروز. وقد ركّز المؤتمر على التطور السياسي والاجتماعي والثقافي للدروز ودورهم السياسي خلال الألف سنة الماضية، وتناول
تفاعلاتهم مع مختلف المجموعات التي سكنت في المنطقة ذاتها، مما أدى إلى التنوع والتاريخ الحافل. وسلط المؤتمر الضوء على حيوية التعددية والتنوع والتعايش، ولا سيما في عالم اليوم.
وقال الدكتور مكرم رباح، المحاضر في دائرة التاريخ والأركيولوجيا في الجامعة الأميركية في بيروت والمشارك في تنظيم المؤتمر: "هذا ليس احتفالاً بالدروز بقدر ما هو احتفال بتاريخ المنطقة التي
شملت الدروز والمجموعات الأخرى أيضاً. هذا مؤتمر يضم علماء أكاديميين رفيعي المستوى يقومون بأبحاث أصلية مبتكرة الدروز بالإضافة إلى تاريخ بلاد الشام والشرق الأوسط بكامله. وكان
الهدف هو إظهار أهمية التنوع وعجزنا عن مواجهة أي من تحديات المنطقة من دون الحفاظ على هذه البيئة المتنوعة".
وقد حظي هذا المؤتمر، وهو الأول من نوعه، بمشاركة واسعة عبر الإنترنت من خلال البث الحي واكتظّت القاعة طوال الوقت بالحضور، الذي ضم العديد من أعضاء المجتمع الدرزي والجمهور
العريض. ومن بين المنظمات غير الحكومية والجمعيات الدرزية التي دعمت المؤتمر، مجلس المؤسسة الدرزية الأميركية التي حضر مجلس إدارتها من الولايات المتحدة.
وأشار الدكتور عبد الرحيم أبو حسين، مدير مركز الآداب والإنسانيات في الجامعة الأميركية في بيروت، والمشارك في تنظيم المؤتمر، إلى ملاءمة عقد المؤتمر وتوقيته وحتى ضرورته، في الاحتفال
بالألفية الأولى للدروز، نظراً للمبادئ التي يذكرنا بها في مواجهة تحديات اليوم الصعبة. وقال في سياق حديثه عن الدور القيادي الذي لعبه الدروز في مجتمعاتهم في لبنان والشام: "إن استمرار الدروز
وأدوارهم المتميزة في بلاد الشام، موطنهم التاريخي، ليست حادثًة غريبة أو بسبب تحالف مفترض أو متخيّل أو مرغوب به للأقليات، بل نتاج حضارة تتمسّك بالتنوع والتعددية".
رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري الذي نشأ في كل من عاليه ورأس بيروت، تحدث عن العلاقة بين الدروز والمشروع التعليمي البروتستانتي في المشرق، ودور الدروز في
إنشاء مدارس لا تفرّق بين الطوائف. وقال: "لقد أدركوا غريزياً وفي وقت مبكر جداً أهمية المسيرة المشتركة والحياة المشتركة، ليس كنوع من التنازلات بل إنما صوناً لحرية الفكر ولاستقلالية الإيمان".
ورأى الرئيس في ذلك توازياً مع التنوع داخل الجامعة الأميركية في بيروت. وأضاف: "كان من الطبيعي أن يذهب الدروز بعد ذلك إلى الكلية الأولى في المشرق، وهكذا كان الكثيرون منهم بين
أوائل الخريجين في الكلية السورية الانجيلية، التي أصبحت الجامعة الأميركية في بيروت فيما بعد. والدروز يحافظون على عهود الودّ معها على مرّ الأجيال".
القاضي عباس الحلبي ركّز في كلمته الافتتاحية على ثلاثة محاور: الهوية والوجود واندماج الدروز على مدى التاريخ في المنطقة العربية والإسلامية. كما ركّز على دورهم في الدفاع عن عروبة لبنان
ووحدته واستقلاله، وضرورة المرونة والتكيف لمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعاصرة والتطرّف. وشدد على أهمية هذا المؤتمر في تقديم مقاربات جديدة لمعالجة جوانب
مختلفة من التاريخ والحضارة، وصياغة رؤى لجيل جديد من الشباب يستمر في الإسهام في دور وطنهم ورسالته، فيما يحافظ على هويته ومعتقداته، وثقافته الغنية.
الشيخ سامي أبي المُنى، رئيس اللجنة الثقافية للمجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدروز، أبرز أيضاً التزام الدروز القوي بالاندماج مع السياق العربي والإسلامي والإنساني، حيث يحتفظون بهويتهم
التاريخية في الوقت الذي يحتضنون فيه أوطانهم ويدافعون عنها من دون أي أجندات سياسية خاصة بهم. وتحدّث عن المبادئ التي أطّرت الوجود الدرزي ودوره على مر السنين، وشدّد على أهمية
الدقة، والتحليل المتأنّي والتفصيلي، وتجنّب الانطباعات المسبقة والتحامل في الدراسة البحثية السليمة للفكر الدرزي.
وبعد الخطاب الرئيسي الذي ألقاه الدكتور انجين أكارلي من جامعة اسطنبول حول التاريخ الدرزي والمحافظة على الكرامة والمجتمع في التوحد مع الإنسانية، انطلق المؤتمر بعدّة ندوات ومداخلات
وتناول موضوعات مثل التأريخ والإمبراطوريات العالمية والحروب والبناء المؤسسي والموسيقى والمسرح والعمارة والتراث الثقافي.
وقد اختتم المؤتمر بافتتاح معرض فني بعنوان "المرأة: التنوع والاضطراب". بتنظيم من مركز الآداب والانسانيات وكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركية في بيروت. واعتُبر المعرض ملحقاً
لآخر ندوة في المؤتمر وكانت بعنوان "استكشاف التنوع: اللغة والتراث الثقافي في الأعمال الفنية". ويستمر المعرض حتى 16 تشرين الثاني 2018 في صالة عرض بنك بيبلوس للفنون، ويضمّ
أعمالاً فنية من مجموعة الجامعة الأميركية في بيروت، وهي من انتاج زينة الخليل وهالة شقير.
ومن المتوقع أن ينتج المؤتمر كتاباً أكاديميًا خلال الأشهر القادمة، وقد بدأ بالفعل تعاوناً واسعاً مع أكاديميين من مؤسّسات في جميع أنحاء العالم.