صحيفة الجمهورية
عبرت الذكرى الثانية لانتخاب الرئيس ميشال عون، أمس، باهتة، فيما حكومة تصريف الاعمال تحكم البلاد لفشل السلطة حتى الآن في تسييل نتائج الانتخابات النيابية حكومة دستورية كاملة الاوصاف، تتصدى للمشكلات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والبيئية المتفاقمة. وبعد أيام من تفاؤل مُفرط لدى بعض المعنيين بإمكان ولادة الحكومة الجديدة عشيّة هذه الذكرى، لَفّ عملية التأليف جَو من التشاؤم لاصطدامها بعقبات جديدة، ظاهرها داخلي وباطنها خارجي، ما قد يعوقها مجدداً الى أجل غير معلوم.
خرق جمود التأليف أمس لقاء انعقد في «بيت الوسط» بين الرئيس المكلف سعد الحريري والوزير جبران باسيل، الذي انتقل بعده الى بعبدا وأطلع رئيس الجمهورية على نتائجه.
وقالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» انّ الحريري وباسيل «بحثا في مختلف التطورات المتصلة بالعقبات الأخيرة التي عطّلت مساعي تأليف الحكومة». ونقلت عن باسيل ان «لا جديد تَحقّق في شأن العقدة السنية، وأنّ المواقف المعلنة ما تزال على حالها».
وفي موازاة المعلومات التي تشير الى انّ باسيل طرحَ مع الحريري تغييراً في بعض الاسماء بحسب الطوائف، ومنها الحقائب المارونية، أوضحت مصادر «التيار» انّ البحث «تركّز على العقدة السنية فقط».
من جهتها، أوضحت مصادر قريبة من تيار «المستقبل» انّ الحريري لقي تفهّماً عميقاً من رئيس الجمهورية، وخصوصاً بالنسبة الى رفضه تسمية وزير من نواب «سنّة 8 آذار». وأضافت انها ليست المرة الأولى التي يُبدي فيها عون تفهّمه لموقف الحريري في هذا الصدد.
وعن الدور الذي يمكن لرئيس الجمهورية أن يؤديه تجاه «حزب الله»، قالت المصادر: «انّ الأمر في يد فخامة الرئيس، ولسنا نحن من يرشده الى ما يمكن القيام به، فهو لن يقَصّر في التعبير عن رأيه جهاراً، وقد سبق له ان عبّر عن موقفه سابقاً ولن يتغيّر اليوم».
وأكدت المصادر انّ موقف الحريري «حاسم» في رفض أي تمثيل لـ«سنّة 8 آذار» في الحكومة تحت أي ظرف من الظروف».
واعتبرت «انّ الكرة في ملعب «حزب الله» الذي اخترع ما يسمّى بدعة «اللقاء التشاوري للنواب السنّة»، وهو بالتالي المسؤول عن معالجة هذه العقدة إذا كان يريد لهذه الحكومة أن تولد، او سيكون في موقع المُعرقل الوحيد لولادتها».
ونَفت ان يكون تيار «المستقبل» في طور الإعداد لأيّ تحرك شعبي على الأرض دعماً لمواقف الحريري الاخيرة.
«حزب الله»
لكنّ مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» قالت لـ«الجمهورية»: «بمقدار ما العقدة السنيّة مستعصية إلّا انها ليست من النوع الذي يفجّر تأليف الحكومة، فالعقد الكبرى حُلّت، وانّ معالجتها لا تعدو مسألة وقت ليس بطويل».
وأضافت: «ليس صحيحاً انّ الحزب افتعَل هذه العقدة ليعطّل تأليف الحكومة أو يؤخّره، فمطلب هؤلاء النواب مطروح منذ البداية، ولكنه لم يكن يُعطى الاهتمام اللازم منذ البداية، وإنّ «حزب الله» مُلزم اخلاقياً وسياسياً بالدفاع عن حق حلفائه السنّة في أن يكون لهم وزير يمثّلهم في الحكومة، خصوصاً بعدما أظهرت الانتخابات انّ لديهم حيثية تمثيلية واضحة. وفضلاً عن ذلك، لا يمكن ان يعطّل الحزب التأليف، بل يريد ان يكون سريعاً لأنه حَضّر الارضية اللازمة لخوض معركة مكافحة الفساد، وما حَضّره لا جدوى منه اذا لم تكن هناك خطط وأطر تنفيذية عبر الحكومة».
فكرة للمعالجة
وعلمت «الجمهورية» انّ هناك فكرة لمعالجة هذه العقدة السنيّة مطروحة للنقاش على نطاق ضيّق، وهو ان تعالج مثلما عولجت العقدة الدرزية، بمعنى ان يتمّ توزير الدكتور عبد الرحمن البزري أو مَن هو بمواصفاته، بحيث يحظى بثقة رئيس الجمهورية وترحيب 8 آذار و«حزب الله» ولا يستفزّ الحريري. لكنّ السؤال المطروح في هذا السياق هو هل انّ النواب السنّة المستقلين يمكن ان يعتبروا البزري ممثلاً لخطهم السياسي في الحكومة؟
ضغوط متبادلة واستحالات
وفي المعلومات ايضاً انّ هناك ضغوطاً متبادلة تمارَس في لعبة عَض الاصابع، فـ«حزب الله» يفترض انّ في إمكان عون معالجة العقدة السنية من حصته، فيما عون يرمي الكرة في ملعب الحريري ويعتبر انّ هذه المشكلة سنّية وعلى الرئيس المكلف أن يعالجها، في حين انّ الحريري يحمّل «حزب الله» المسؤولية عمّا يعتبره «افتعالا» للعقدة السنية. وهناك انطباع بأنّ هناك استحالة في تراجع الحريري، في مقابل استحالة تنازل «حزب الله» عن مقعد شيعي لاعتبارات عدة. وبالتالي، فإنّ الهامش الاوسع لحل هذه المشكلة موجود لدى عون».
على انّ مصدراً سياسياً متابعاً للتأليف قال لـ«الجمهورية» انّ «ظاهر التعقيد المُستجدّ في الملف الحكومي هو عقدة تمثيل النواب السنّة المستقلين فيها، امّا باطنه فلا يعلم به سوى الراسخين في العلم».
واكد «أنّ أحداً لم يعد في إمكانه التكهّن أو تحديد أي موعد جديد لولادة الحكومة، وانّ النقاش في الاوساط المعنية يدور حول فترة التأجيل الجديد التي دخلها الاستحقاق الحكومي».
ونقل النواب عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، قوله خلال «لقاء الاربعاء» النيابي: «إنني تكلمتُ مع مَن يجب أن أتكلم معهم في هذا الموضوع، ولم يبق لنا سوى الدعاء للإسراع في تأليف الحكومة».
«القوات»
من جهتها، مصادر «القوات اللبنانية» قالت لـ«الجمهورية»: «كل ما أثير حول تغيير مذاهب أو غيره لسنا معنيين به لا من قريب ولا من بعيد، وانّ الاتفاق الحاصل معنا هو اتفاق مبرم ونهائي. هناك طبعاً اتفاقات جدية ونتعاطى مع المسؤولين من موقع مسؤوليتهم الوطنية، وهذا الموضوع تمّ بالاتفاق مع الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، ونحن عندما بلغنا العرض الأخير بالحقائب وبالمذاهب وكان هذا عرضاً نهائياً وأخيراً وتم بالاتفاق مع الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية أعلنا الامر.
وبالتالي، نحن نعتبر انّ هذه الصفحة طويت وقد بدأ رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع اجتماعاته مع الوزراء تحضيراً للمرحلة المقبلة، وأي إثارة لهذا الموضوع لا يمكن تفسيرها إلّا بهدف خلق اجواء اعلامية لإعادة إحياء العقدة المسيحية من ابواب أخرى، بغية التغطية على العقدة الفعلية الموجودة اليوم والتي تحول دون تأليف الحكومة. نحن نعتبر انّ هذه المرحلة انتهت، وانّ هذه الصفحة طويت، وبدأنا التحضير للمرحلة السياسية الحكومية الجديدة. هناك اتفاقات، وعندما تبرم تكون قد انتهت. هناك كلمة لرئيس الجمهورية وللرئيس المكلف، ونحن نثق في هذا المجال بالامور التي توصّلنا إليها معهما، والمسألة بالنسبة الينا منتهية وما يثار إنما يثار في الاعلام فقط ولخلفيات سياسية معلومة».
عُمق إقليمي؟
الى ذلك، قالت مصادر سياسية مراقبة لـ«الجمهورية» انها أجرت قراءتين في مشهد العقدة السنية وخلفياتها: الاولى هي أنّ كل ما قيل عن أنّ العقدة السنية موجودة وانّ «حزب الله» أبلغ موقفه في شأنها منذ اللحظة الاولى هو كلام غير دقيق، فالعمل كان جارياً على تذليل العقد بالتوازي، أي عقدة بعد أخرى، من الدرزية الى المسيحية. وبالتالي، حُسم الموضوع منذ اللحظة الاولى، وسادَ انطباع أنّ العقدة السنية غير موجودة، وانّ «حزب الله» يكتفي بوصول هذه الكتلة النيابية الى المجلس ولن يدخل في مواجهة من اجل توزيرها.
وبالتالي، كانت المطالبات العلنية بتوزيرها من باب رفع العتب ليس إلّا. وإنّ التزامن بين إثارة العقدة الدرزية وانتهاء العقدة المسيحية يثير تساؤلات وشكوكاً عمّا اذا كانت الغاية هي عدم التأليف، وانّ هناك من يريد الانتظار لأنّ «الحزب» يحتاج لانتظار تطورات خارجية قبل ذهابه الى توازنات حكومية تحكم المشهد السياسي لـ 4 سنوات مقبلة، ولذلك يحتاج لمعرفة ما ستسفر عنه الانتخابات النصفية الاميركية، وطريقة امتصاص إيران للعقوبات، وعدم تأثير السعودية في الملفات الاقليمية انطلاقاً من إعطاء الاولوية لملفاتها الداخلية، والى ما هنالك من أمور. ولذلك، اذا لم تؤلّف الحكومة في اليومين المقبلين، تكون البلاد امام عقدة جديدة هي بعمق إقليمي واضح، خلافاً للعقد الأخرى».
الثلث المعطّل
امّا القراءة الثانية فتقول انه في حال لم تكن العقدة السنية بعمق إقليمي، فواضح انّ الضغط الحاصل يستهدف بالمباشر رئيس الجمهورية لأنه كان يريد حكومة قبل 31 تشرين المنصرم، أي أمس، الأمر الذي لم يتحقق.
وبالتالي، فإنّ كل الضغط المُمارَس حالياً غايته دفع عون الى توزير سنّي من 8 آذار ضمن حصته، وعبّر «حزب الله» وسنّة 8 آذار عن أن لا مشكلة لديهم في أن يكون هذا من حصة رئيس الجمهورية، فالمهم هو أن يتمثّلوا في الحكومة، خصوصاً أنّ الحزب يعلم انّ الرئيس المكلف رفع «لا» كبيرة جداً إزاء توزير سنّي من خارج تيار «المستقبل».
ومعلوم أنّ الحريري لا يمكن استبداله، وهو ينطلق من مرتكزات قوية: مرتكزات رؤساء الحكومات السابقين، مرتكزات سنية لبنانية، مرتكزات سعودية ودولية، حاجة إقتصادية كبرى (قرارات مؤتمر «سيدر»)، وغيرها. وبالتالي، فإنّ كل هذا الضغط الذي يمارَس في هذه اللحظة، يُعتبَر انطلاقاً من إدراك «حزب الله» المُسبق بأنّ رئيس الجمهورية يمكنه توزير سنّي من 8 آذار من حصته، والهدف من ذلك قطع الطريق أمام إمكانية أن تكون حصة رئيس الجمهورية ضمن ثلث معطّل. فمنذ اللحظة الاولى ساد الخوف من ان يكون هذا الثلث في يد الوزير جبران باسيل، خصوصاً بعد تراجع وليد جنبلاط عن الوزير الدرزي الثالث، والحديث عن إمكان ان يختاره عون من لائحة الاسماء التي قدّمها الوزير طلال ارسلان.
ولذلك، فإنّ إدخال وزير سني من 8 آذار في حصة عون يعطّل هذا الامر بجعل حجمها 10 وزراء. ولا شك في انّ الحزب يخشى في المرحلة المقبلة من الّا يكون باسيل في حاجة إليه عملياً عندما يكون لديه ثلث معطّل، وهذه هي المرة الاولى التي يكون فيها لفريق واحد ثلث معطل من دون حاجة الى أفرقاء آخرين، فيما على كل القوى السياسية عادة ان تأتلف بعضها مع بعض لتكوّن الثلث المعطّل.
وبالتالي، للمرة الاولى يكون طرف سياسي لديه هذا الثلث الذي يخشاه الحزب، وواضح انّ الجزء الأكبر من المعركة السائدة يدور حول هذا العنوان».
مسألة مبدئية
وقالت مصادر مطلعة انّ مسألة تمثيل نواب سنّة المعارضة هي مسألة مبدئية وعملية بالنسبة الى حلفائهم، خصوصاً بعدما تناهى لهم وجود بعض الخشية عند هؤلاء النواب من ان تكون المطالبة بتمثيلهم مناورة، لأنّ الحلفاء لا يريدون الضغط على الحريري بل يريدون إراحته وتسهيل مهمته.
وأكدت هذه المصادر انّ إعلان الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، في خطابه الأخير، التمَسّك بتمثيل هؤلاء النواب كان مقصوداً، لا بل كان بمثابة «أمر عمليات» لجميع الحلفاء للعمل في هذا الاتجاه، وقد وضع هذا الاعلان صدقية هؤلاء على المحك تجاه النواب السنة المستقلين خصوصاً والرأي العام عموماً.
الراعي
من جهته، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال حفل التسليم والتسلّم في المؤسسة المارونية للإنتشار، إنه «لا يمكننا اليوم القبول بتصرّف السياسيين في لبنان بهذا الشكل. إنّهم يعبثون بالوطن وبشعبه. علينا تشجيع اللبنانيين الذين فقدوا ثقتهم بلبنان بسبب تصرّفات المسؤولين فيه والعمل بجهد والتأكيد من خلال ممارساتنا، انّ الولاء هو للوطن وليس للأشخاص. ولا بدّ من وجود أفكار منوعة وخيارات منوعة يمكننا ان نتبناها».