فراس الشوفي – الأخبار
يملك فريق 8 آذار كل المسوغات السياسية والحسابية والمنطقية للمطالبة بمقعد وزاري لحلفائه من النواب السُّنة. الأزمة تكمن في عقلية الرئيس سعد الحريري، الذي يتعامل مع التحولات في الإقليم وفي الداخل بحالة الإنكار، وكأن الزمن لا يزال عالقاً في 2005 أو 2009
غريب أمر تيار المستقبل والرئيس المكلّف سعد الحريري. على الأقل، في مسألة الرفض المطلق لمشاركة وزير ممثّل عن النّواب السّنة من فريق 8 آذار في الحكومة الموعودة. وكأن القضيّة كيد، مع جرعة عناد زائدة، في مقابل حجج سياسية وموضوعية وحسابية تُبرّر ثبات فريق 8 آذار التقليدي، على مطالبته بتمثيل عادل لهذه المجموعة من النواب الحلفاء. ولعلّ الأكثر غرابة من موقف المستقبل، محاولات البعض في التيار الوطني الحرّ، لتحويل الكباش القائم اليوم بين فريق 8 آذار وفريق الحريري وما يمثّل في النظام اللبناني وفي السياسة الأوسع، إلى كباش بين فريق 8 آذار وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحرّ، من دون داعٍ ولا معنىً. وعن جهلٍ أيضاً، يتناسى هؤلاء أن أزمة عون والتيار و«العهد الجديد» مع اتفاق الطائف، أنه حَكَّمَ رئيس الحكومة، وتحديداً آل الحريري بمفاصل الدولة، بفضل توسيعه صلاحيات رئيس الحكومة وحصّته في مجلس الوزراء على حساب صلاحيات رئاسة الجمهورية وحصّتها. هذا إن لم يذكر أحد، أشهُر الجمود والتعطيل، بل سنواتهما في أكثر من استحقاق حكومي وفي الاستحقاق الرئاسي الأخير، التي فرضها حزب الله، حتى يتسنّى لعون وتياره أن يتمثّل أفضل تمثيل.
حسناً، باستطاعة الحريري أن يتمسّك برفضه، وقد يصل الأمر به إلى حدّ التلويح بالاعتذار عن عدم التأليف، في لعبة ابتزاز مكشوفة، أدواتها محاولة تحميل حزب الله مسؤولية التعطيل أمام اللبنانيين، وترك الحزب لاحقاً في مواجهة العقوبات المقبلة وحده، وتحمّل أي تصعيد غربي – سعودي محتمل ضد الدولة اللبنانية. لكن يعرف الحريري أن ما يمكن أن يحصل عليه اليوم في ظلّ التوازنات الحالية وحرص حزب الله، بوصفه «أم الصبي»، على تسهيل أمور البلاد، قد لا يحصل عليه مستقبلاً. وبالتالي، إن خيار الاعتذار بمثابة انتحار سياسي للحريري قبل غيره.
الغرابة في موقف المستقبل، ليس الانقلاب على نتائج الانتخابات النسبية فحسب، وهي التي أنصفت الحيثيات السنيّة الأخرى وأوصلتها إلى المجلس النيابي، بل التعامل مع الوقائع السياسية والإقليمية وكأن شيئاً لم يتغيّر منذ 2005 و2009 حتى اليوم.
أوّلاً، تفكّك فريق 14 آذار شرّ تفكّك على وقع تفكّك حاضنته الإقليمية وسقوط مشروع ضرب سوريا وإسقاط المقاومة في لبنان، فيما حافظ فريق 8 آذار على تماسكه واشتداد عود حاضنته الإقليمية والدولية. ومع أن حزب الله لا يذهب بعيداً في استخدام التوازنات الإقليمية الجديدة في اللعبة الداخلية، ويحرص على دور الحريري ومكانته في تشكيل الحكومة وفي كونه شريكاً مهمّاً في الداخل اللبناني، إلّا أنه لا يمكن خصومَ حزب الله إهمال معادلة قوّة حزب الله وحلفائه وتزايدها خلال العقد الأخير، وبعد انتهاء الحرب السورية لمصلحة حلفائهم في سوريا.
ثانياً، لم يعد الحريري ممثّلاً حصرياً للسُّنة اللبنانيين كما أفرزت سنوات ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وشدّ العصب حول تيار المستقبل على وقع التحريض المذهبي والطائفي و«تكفير» كل خارج عن عباءة المستقبل. بل إن السعودية، التي يؤدي الحريري دور «مدير حصّتها» في «الشركة» اللبنانية، لم تعد تتعامل مع رئيس المستقبل كممثّلٍ وحيد للسُّنة اللبنانيين بل الأقوى بين حيثيات أقل قوّة، وليس القوة الحصرية. وممثلو السعودية في لبنان وفي السعودية، أعلنوا ذلك جهاراً واستقبلوا الزعامات السُّنية الأخرى وعلاقاتهم معها مستمرة.
ثالثاً، فريق 8 آذار التقليدي، من دون حليفه الوثيق عون، يتمثّل بما يزيد على 42 نائباً في البرلمان (أكثر من الثلث) ويملك أعلى الأرقام الانتخابية مقارنةً بأيّ كتلة ناخبة أخرى، ومن غير المنطقي أن يكون ممثّلاً في الحكومة بأقل من ثلث الحكومة، الأمر الذي لا يطالب به هذا الفريق أصلاً، مع أنه من حقّه في لعبة الأرقام.
رابعاً، من حقّ حزب الله أن يكون ممثّلاً بطيف وطني أوسع من تمثيله الشيعي، بالدرجة الأولى بوصفه قوّة مقاومة تحمل أبعاداً وطنية، وبدرجة ثانية لتمثيل أولئك الذين تحمّلوا وزر خيارات المقاومة في بيئتهم طوال السنوات الماضية. تماماً، كما يحرص عون بالحصول على وزراء من طوائف مختلفة لإضفاء الطابع الوطني على قوّته السياسية وليس حصرها في فئة معيّنة أو استبدال التحالفات الطائفية بها.
خامساً، والأهم من ناحية الأرقام، أن الأصوات التفضيلية التي نالها 17 نائباً سُنياً مستقبلياً، بلغت 168596 صوتاً سُنّياً، أي ما نسبته 65.85% من مجمل الأصوات التفضيلية للسُّنة، فيما بلغ عدد الأصوات التفضيلية السُّنية التي نالها عشرة نواب سنّة من خارج المستقبل 87264 صوتاً، أي 34.14% من نسبة الأصوات التفضيلية السُّنية. فضلاً عن أن مجموع أصوات السُّنة التي حازها المستقبل وحلفاؤه بلغ 229195 صوتاً، فيما بلغ عدد الأصوات السُّنية التي لم تختر المستقبل 252485 صوتاً. ثمّ إن أكثر من نائب من النواب المستقلين، نال أصواتاً أعلى بكثير من أصوات نواب المستقبل، ولا سيّما النائب عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي الذي حلّ رابعاً على لائحة كل النواب السُّنة بعد الرئيس نجيب ميقاتي والحريري والنائب وليد البعريني، كذلك النائب عدنان طرابلسي الذي حلّ ثانياً بعد الحريري في بيروت، متخطياً الرئيس تمام سلام والوزير نهاد المشنوق والنائبة رولا الطبش.
سادساً، جمهور تيار المستقبل ليس مشكلة قوى 8 آذار، بل أزمة الحريري، الذي دائماً يرفع السقوف ويعمل فريقه الإعلامي والسياسي على إصدار مواقف «تحمّس» الجمهور. ثم عندما تحين لحظة الواقعية والتسويات، تبدأ ذريعة «الجمهور عايز كدا»، فيتحول أي تراجع أو مناورة إلى هزيمة، وذلك السلوك ينعكس على كل شيء تقريباً في مسار المستقبل السياسي، من المحكمة الدولية إلى شعار نزع سلاح المقاومة وإسقاط الدولة السورية…
تمثيل سُنّة 8 آذار حقّ، تماماً كما هي المناورة حقّ للرئيس المكلّف. فهل يتواضع الحريري ويعيد تقييم حساباته لكي يحفظ وجوده على رأس الحكومة، في الوقت السعودي الضائع؟