صحيفة الجمهورية
أظهرت الاتصالات في الساعات الفائتة انّ الحركة الناشطة منذ ايام على جبهة تأليف الحكومة أصيبت بانتكاسة أثارت مخاوف جدية من عودة الاستحقاق الحكومي الى دائرة التعقيد، وبالتالي تأخّر الولادة الحكومية لفترة إضافية جديدة في حال لم تنجح المساعي في تأمين هذه الولادة التي كان توقّعها البعض اليوم أو غداً.
وقد جاءت هذه الانتكاسة مفاجئة وكشف بعض المواقف جزءاً من اسبابها، ومنها انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» رفضوا إعطاء «القوات اللبنانية» حقيبة وزارة العدل، بعدما كانت قد تلقّت من المعنيين وعداً بذلك.
وكانت لافتة أمس النصيحة التي أسداها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الى المعنيين بتأليف الحكومة بأن لا يضع أحد مهلاً زمنية لولادتها، وهو ما يعكس ضمناً استمرار العراقيل.
كذلك ترافقت الانتكاسة مع تحرك ديبلوماسي شدّد على التوازن في الحكومة، وتمثّل بزيارة المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان بالإنابة بيرنيل داهلير كارديل للرئيس المكلف سعد الحريري غداة اجتماعه بمجموعة الدعم الدولية.
وذكّرت كارديل بأنّ أحد المواضيع التي شدّد عليها المجتمع الدولي، خلال اجتماع سفراء وممثلي مجموعة الدعم الدولية في «بيت الوسط امس الاول، «الشراكة المستمرة لهذا البلد». وكررت تأكيد دعم الأمم المتحدة المستمر لاستقرار لبنان وازدهاره».
أسباب العرقلة
وكشفت مصادر مواكبة لعملية التأليف حقيقة ما جرى في الساعات الاخيرة قبل الانتكاسة، وقالت لـ«الجمهورية» انه خلال اللقاء البعيد من الاعلام الذي انعقد الاربعاء في قصر بعبدا، أبلغ الحريري الى عون انّ العرض الذي قدّمه الى «القوات» يتضمن إعطاءها وزارات العدل والشؤون الاجتماعية والثقافة ونيابة رئاسة مجلس الوزراء. فردّ عليه عون قائلاً: «فكّر في المقابل بحقيبة وازنة لحصتي تكون اساسية ولا تؤدي الى خلل في التوازن».
وخرج الحريري متفائلاً على هذا الاساس، وابلغ الى جعجع الموافقة المبدئية على هذه الحصة. وبناء على ذلك، توقع الحريري ولادة سريعة معتبراً انّ كل الامور تسهّلت امامه، ولاسيما منها العقدة الاساسية المتعلقة بـ«القوات» بعدما كانت العقدة الدرزية حلّت، ولم يعر حينها الحريري اهتماماً كبيراً لعقدة تمثيل السنّة المستقلين في اعتبار انها تفصيل يمكن الاتفاق عليه مع رئيس الجمهورية.
وقبل ان يخرج قال الحريري لعون: «سأستكمل اتصالاتي ومشاوراتي لتوزيع الحقائب وسأعود بعد يومين»، على أن تبقى المرحلة الاخيرة إسقاط الاسماء على الحقائب. وتمّ التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في جنيف، فأبدى استعداده لقطع زيارته والعودة بناء على الاجواء التي عكسها الحريري بعد اجتماعه بعون، فكان الجواب أن لا شيء يدعو الى العجلة ولن يحصل شيء قبل نهاية الاسبوع».
وتابعت المصادر: «إضافة الى العرض الذي قدّمه الحريري لـ«القوات» وتضمّن حقيبة العدل، فقد طالبت الاخيرة في الساعات الماضية بحقيبة خدماتية أساسية من الحقائب الخمس التي سبق وتوزّعت على الكتل (الطاقة، الصحة، الاشغال، الاتصالات، التربية)، وقد أثار هذا الامر استياء رئيس الجمهورية. لكنّ اطرافاً سياسية أخرى أدرجته في خانة «تحصيل أكبر» وتحسين شروط في ربع الساعة الاخير، فيما اعتبره «التيار الوطني الحر» أحجاماً منتفخة لن يقبل بها بعدما قدّم التنازلات وكل التسهيلات».
وعلمت «الجمهورية» من مرجع كبير انه «على رغم كل الاجواء الضبابية التي سادت الساعات الاخيرة، فإنّ التأليف لم يَطر، بل سيتأخر أياماً اضافية لأنّ القرار به متّخذ والولادة ستحصل قبل نهاية هذا الشهر».
موقف عون
والى ذلك، أوضحت مصادر مطلعة على موقف عون الأسباب والدوافع التي جعلته يتمسّك بحقيبة العدل، وقالت لـ«الجمهورية»: «الموضوع لا يتصل بتمسّك الرئيس بحقيبة محددة ولاعتبارات اعتباطية أو لتسجيل مواقف، إنما لديه اقتناع لا يرقى اليه اي شك بالتمسّك بهذه الحقيبة، نظراً الى دورها ومهماتها التي من الواجب ان تكون في عهدة الرئيس شخصياً وليس أي فريق أو طرف آخر، أيّاً كان موقعه. فهذه الحقيبة هي من حصة من أقسم اليمين على الدستور من أجل احترام القوانين وتطبيقها، وهي التي تشرف على تطبيقها، وهي المعنية بشكل من الأشكال بحقوق الناس وقضاياهم، وهي المسرح الذي سنشهد فيه على الخطط الموضوعة لمكافحة الفساد والإصلاح، وهو الشعار الذي أطلقه الرئيس عون ويسعى الى تطبيقه في مستقبل الأيام».
وقالت هذه المصادر: «على من سيتولى هذه الحقيبة ان يكون على مسافة واحدة من الجميع، فهو الذي يشرف على عمل كل النيابات العامة بما فيها النيابة العامة التمييزية، وهو من يحركها في مواجهة الخطوات التي ينوي القيام بها لمكافحة الفساد وتعزيز أدوار هيئات الرقابة والتفتيش المركزي والنيابة العامة المالية ضماناً لوصول الملفات التي ستفتح الى النهايات الحتمية، فلا تحفظ في الأدراج قبل ان يقول القضاء كلمته».
وفي جانب آخر شدّدت المصادر على انّ عون يرى في حقيبة العدل «مكاناً لتوفير الظروف الفضلى لإجراء التعيينات والمناقلات القضائية بإشرافه وعلى مسؤوليته لمتابعتها من خلال هذه الوزارة، فالبلد مقبل على ورشة إصلاحية كبيرة، وهناك حاجة الى إشراف القضاء على كل هذه الخطوات بشكل مباشر وفعّال».
وانطلاقاً من هذا المنطق، فقد لفتت المصادر نفسها الى «انّ مكافحة الفساد تستدعي تحرك وزارة العدل بتوجيه من الرئيس والسلطة السياسية لمتابعة الموضوع. فوزير العدل له عمل مباشر مع مجلس القضاء الأعلى، ويشارك في السهر مع القضاة لمتابعة تنفيذ القوانين. كذلك هي وزارة تجمع هيئة التشريع والاستشارات وهيئة الاستشارات العليا للبَتّ بالقضايا التي تتطلّب رأياً في بعض الإقتراحات ومشاريع القوانين».
وكشفت المصادر عينها «انّ عون عندما عبّر عن إصراره وتمسكه بحقيبة العدل التي ما زالت تدور حولها أُم المعارك الوزارية، قَصدَ شرح موقفه بالتفصيل ليؤكد انه لم يكن ولن يكون حجر عثرة امام التأليف سواء في ما خص وزارة العدل أو غيرها، وانه أسرّ بموقفه هذا منذ زمن وقبل إصرار الفريق الآخر على هذه الحقيبة، والذي أتبِع بحملة مماثلة تناولت حقيبة «الأشغال» من دون طرح البدائل».
ورداً على سؤال يتصل بموقع وزارة العدل في المنظومة الحكومية واسباب التمسّك بها، قالت المصادر عينها انّ «عصب الدولة هو الامن والاقتصاد والقضاء». ولمّا منحت وزارة المال الى حركة «أمل» ووزارة الداخلية الى تيار «المستقبل» بما يمثّلان، كان إصرار الرئيس عون على وزارة العدل بما يمثّل وما تمثّله هي ايضاً. ولذلك، وجب ان تكون من حصته وهو يختار وزيرها بكل صراحة».
ورفضت هذه المصادر ايّ تشكيك بالنيّات، وأكدت «انّ الرئيس عون الذي يدافع عن التوجّه القائل ببقاء هذه الوزارة ضمن حصته، لا يزال يعمل لتسهيل تأليف الحكومة ودعم الرئيس المكلف لتقديم تشكيلته الوزارية في اليومين المقبلين». مشيرة الى «انّ القرار بتأليف الحكومة مُتخذ والصورة قد تتضح سريعاً». وقالت انّ «هناك علاقة بين وزارة العدل والهيئات الدولية التي ترصد المتابعة القضائية والجنائية، وليس المقصود ان تكون رغبة الرئيس عون التمسّك بوزارة العدل لأي سبب، إنما لأنه المؤتمن على تنفيذ القوانين والسهر على حسن تطبيقها، والقضاء هو من يعمل على ذلك».
«التيار»
من جهتها مصادر «التيار الوطني الحر» قالت لـ«الجمهورية» انّ كل ما قام به «التيار» هو تضحيات وتنازلات، وما تبقّى ليس عنده، بل عند من يخترع الذرائع لعرقلة تأليف الحكومة. فـ»التيار» لا يعرقل، بل قدّم كل التسهيلات الممكنة وضَحّى بمقدار ما يستطيع. ومَن يعرقل هو من يكبّر حجم مطالبه ويطالب بجديد كل حين، وما ان تحلّ له عقدة حتى يُسارع الى اختراع عقدة جديدة».
واضافت المصادر: أمّا وزارة العدل فقد كانت وستبقى من حصة رئيس الجمهورية، خصوصاً بعد ان تمّ التنازل عن نيابة رئاسة الحكومة لمصلحة «القوات». ويبدو انّ هناك قراراً واضحاً بتعطيل التأليف من خلال وضع مطالب تعجيزية، وقد سبق لـ«القوات» ان وصفت العهد بـ«عهد تصريف الاعمال»، ويبدو انها تسعى لذلك من خلال خلق عقد إضافية كلما حلّت عقدة، لكن المصلحة الوطنية والتحديات الكبيرة التي تنتظرنا تفرض أداء مختلفاً تماماً».
وكان باسيل قال من «بيت الوسط»: «إتفقنا بنحو كامل من دون مسّ بأحد او بحقّ أحد، لا بل أعطينا منّا لكي تتألف الحكومة، وإن شاء الله نكون امام فرحة جديدة للبنانيين».
«القوات»
من جهتها، قالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: «هناك من يعتقد ان في استطاعته، في الامتار الاخيرة لتأليف الحكومة، أن يحقق هدفاً من هدفين: إمّا نقل مسؤولية التعطيل عن كاهله، وتحميل توقّف الاندفاعة الحكومية الكبيرة لغيره. وإمّا محاولة الإحراج للإخراج، لأن ليس من الطبيعي على الاطلاق ان تكون كل القوى السياسية قد حصلت على حقائب وازنة فيما الطرف السياسي، الذي في حوزته 15 نائباً ولديه تمثيل شعبي واسع في الانتخابات النيابية، ان يكون هنالك محاولة لاستبعاده عن طريق تحجيمه وتقليص وزنه الوزاري، وهذا ما هو حاصل، حيث انّ حقيبة «العدل» سُحبت فجأة، ومن دون سابق إنذار وتصميم فيما كانت «القوات» قد أُبلغت في مرحلة سابقة أنّ هذه الحقيبة هي من ضمن حصتها الوزارية.
وبالتالي، من الواضح انّ الهدف من هذه المسالة هو مناورة إضافية لدفع «القوات» خارج الحكومة، الأمر الذي لن يتحقق. و«القوات» شريك اساسي، ويخطىء من يعتقد انّ في إمكانه تشكيل حكومة أمر واقع أو إحراج «القوات» للإخراج. هذا الامر لن يتحقق، وبالتالي ما حصل صراحة كان أمراً مفاجئاً لأنه كان يفترض أن تتضمن حصة «القوات» حقيبة العدل، فإذ بها تُسحب فجأة، وبلا سابق إنذار، الامر الذي يثير الريبة ويؤكد انّ الهدف الاساس منذ اللحظة الاولى لم يتبدّل، وهو إحراج «القوات» لإخراجها. وللأسف، فإن كل الآمال بتأليف الحكومة قبل نهاية الاسبوع بَدّدها هذا الفريق بشروطه التعجيزية، وبالتالي لا نريد القول انّ الامور عادت الى المربّع الاول، ولكن ما حصل لا يطمئن، ويؤشّر الى انّ النيات التعطيلية لا تزال هي نفسها، للأسف».
الحريري وجعجع
وفي هذا السياق، لفت الوزير ملحم الرياشي، بعد زيارة الحريري مساء، الى «انّ البعض يعمل على الاساءة الى جهد الرئيس سعد الحريري والانقلاب على التسوية، خصوصاً بعد تزايد نقاط الالتقاء في التشكيل الى حدود حسمها».
وقال الرياشي: «علينا اعتماد معايير واحدة بأن نعتمد العيارات المتلائمة». وأشار الى حصول اتصال بين الحريري ورئيس»القوات» سمير جعجع لتنسيق المواقف.
وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري أبلغ الى جعجع ما نقله اليه باسيل عن انّ رئيس الجمهورية لن يتراجع عن حقيبة «العدل» مهما كان، وأنّ موقفه نهائي وحاسم. وطلب الحريري من جعجع إمهاله وقتاً اضافياً لمعالجة الامر. فأجاب جعجع أنه مستعد للمساعدة والوقوف الى جانبه في مهمته حتى النهاية، «لكن لن أرضى بالدخول الى الحكومة كيفما كان».
نصرالله
وفي موضوع تشكيل الحكومة، جدّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله التأكيد «انّ ايران لا تتدخل في الشأن الحكومي اللبناني لا من قريب ولا من بعيد»، واكد «انّ الحزب لا يفرض قراره على «التيار» ولا على الرئيس المكلف ولا على القوى السياسية، فتشكيل الحكومة شأن لبناني».
وقال: «من الواضح أنه يوجد تفاؤل كبير وتوجد إيجابيات مهمة، وتقدّم مهم حصل على مستوى تشكيل الحكومة، لكن نحن لا ننصح أن يضع أحد مهلاً زمنية (…) هذا خطأ، لأنه أحياناً تَستجدّ مسائل أو عقد لم تكن في الحسبان منذ البداية».
وأضاف: يوجد اليوم تقدم مهم وكبير، لكن لا تزال هناك مجموعة من المسائل لها علاقة خصوصا بالحقائب وبتوزير بعض الجهات، هذه ما زالت عالقة، والجميع ينتظر فيها أجوبة».