فراس الشوفي – الأخبار
لم يكن التوزيع الحكومي بين القوى السياسية اللبنانية يوماً خارج التحاصص الطائفي التقليدي. لكن كانت التشكيلة الحكومية تزيّن بورقة تين وعناوين «الوحدة الوطنية». اليوم، لم يعد من حرج في إعلان تحاصص الطوائف والسجال العلني على الحصص، فسقط الحزب القومي من التمثيل في الحكومة المنتظرة، حتى الآن، ومعه تمثيل «سنّة 8 آذار».
مع تقدّم البحث في تشكيل الحكومة، يغيب الكلام عن إمكانية إشراك النّواب «السّنة» في قوى 8 آذار أو الحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة المنتظرة. ولا تبدو مسألة التمثيل تلك، عقدة جدّية قد تعرقل تشكيل الحكومة متى ذُللت العقد الأخرى. بل إن خلاصة الحديث مع مصادر بارزة في غالبية القوى السياسية المعنية، تؤشّر على أن مسألة تمثيل نوّاب «اللقاء الوطني» والقومي، مرفوضة من الرئيس سعد الحريري وغير مرغوب فيها بالنسبة إلى الوزير جبران باسيل، والمطالبة بها رغبة، لكنها لا ترقى إلى «رفع العتب» عند حزب الله وحركة أمل.
شكّلت الانتخابات النيابية بالنسبة إلى النوّاب السّنة من خارج كتلة المستقبل، محطةً مفصليّة. حتى الرئيس سعد الحريري اعترف بهذه الكتلة الوازنة من السّنة اللبنانيين، الذين هم أوّلاً يفضلون الخيارات السياسية لفريق المقاومة وحلفائها. وبالأرقام، يشكّل هؤلاء نحو 40% من نسبة الناخبين السّنة، كما أفرزت نتائج الانتخابات الأخيرة. وهذا يعني أن الحريري لم يعد بإمكانه اليوم، عند الحديث عن حكومة وحدة وطنية، أن يستثني هؤلاء، منصّباً نفسه محتكراً لحصّة أبناء طائفته في النظام اللبناني. وفي ظل إعلانه تقديمه تنازلات في سبيل المصلحة الوطنية، وانتقاده للاستئثار بالحكم ودفاعه عن حصّة حزب القوات اللبنانية، يبدو سلوك تهميش الخصوم/ الشركاء، مناقضاً. على مقلب التيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية، لا يعير التيار والرئيس ميشال عون، أو على الأقل هكذا يظهر، لقيمة تحالف التيار السياسي مع هذه الكتلة من النواب على مساحة لبنان. بل يصرّ الرئيس وباسيل، كما تشير آخر المعلومات، إلى إضفاء الطابع الوطني على حصّة الرئيس الوزارية صوريّاً، عبر تكرار تجربة الوزير طارق الخطيب لكن باسم آخر (أحمد عويدات). وهذا يعني التمسّك بإعطاء الحريري حصرية سنيّة لا يملكها، من خلفية جسر طائفي/ مصلحي بين الماروني الأقوى والسّني الأقوى، في لعبة مؤقّتة لا تؤمّن استقراراً طويل الأمد في التوازنات الداخلية بتعميق تحالفات سياسية عابرة للطوائف، وتحديداً داخل الكتلة السّنية. أما ثنائي حزب الله وأمل، فقد أبلغ خلال المرحلة الماضية باسيل والحريري رغبته في تمثيل اللقاء الوطني بمقعد وزاري. وبحسب المعلومات، فإن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ناقش الأمر وعرضه بتفاصيله مع باسيل خلال اللقاء الأخير بينهما، وكذلك فعل الرئيس نبيه بري. وموقفهما اليوم، في المطالبة بتمثيل حلفائهما المباشرين، ينبغي أن يكون أقوى مما كان عليه في الحكومات السابقة، خصوصاً أن هؤلاء الحلفاء أثبتوا حضوراً شعبياً، وهم يشكّلون واحدةً من ركائز تحالفات الحماية لخيار المقاومة في الداخل اللبناني، في ظلّ محاولات فريق العداء لمشروع المقاومة في الخارج، تجريد المشروع من عوامل قوّته وتظهيره بصورة مذهبية. إلّا أن أكثر من مصدر أكّد لـ«الأخبار» أن الثنائي، وإن كان يرغب في تمثيل حلفائه، إلّا أن الحكومة لن تقف أمام هذه العقدة. وهذا التساهل الاستباقي، يبدو كافياً لكي يسقط الحريري هذه الورقة. وبدل وضع «الفيتو» على حكومة لا يتمثّل فيها هؤلاء، كما حصل في الماضي ووصل الأمر ببري إلى توزير فيصل كرامي على حساب «الحصة الشيعية»، يرمي الثنائي، وتحديداً حزب الله، الكرة في ملعب التيار الوطني الحر، الذي كان قد سرّب موافقته على اعتماد توزير كرامي كحل وسط بين حصّة الرئيس وحصة اللقاء الوطني، قبل أن يغيّر رأيه. فالموافقة السريعة التي منحها الحريري لاحتكار حزب الله وأمل للمقاعد الشيعية الستة في الحكومة وعدم اعتراضه على نوعية الحقائب، عطفاً على نتائج الانتخابات النيابية، دفعت الثنائي إلى اعتماد السياسة ذاتها مع حصّة الحريري، أو التساهل معها على الأقل، في ظلّ الضغوط الخارجية لمنع تشكيل الحكومة.
أما في حالة الحزب السوري القومي الاجتماعي، فتبدو العقدة الرئيسية عند باسيل، بعدما كان حزب الله دائماً يعطي القوميين من حصّته، قبل أن يقرّر الدخول كلاعب رئيسي في الحكومة من خلال ثلاث حقائب. فباسيل ابتدع معياراً للتوزير (وزير لكل خمسة مقاعد نيابية) لن يسمح بتمثيل القوميين (كتلتهم النيابية من 3 نواب). سبق ذلك، خلال التحضير للانتخابات النيابية، ضغط عون على حزب الله، ما أدى إلى حرمان القوميين مقعداً في العاصمة، لحساب نائب في التيار الوطني الحرّ. أضيفت إلى ذلك شرذمة باسيل قوى 8 آذار في دائرة عكّار، ما سمح للقوات اللبنانية بالحصول على مقعدٍ كان شبه محسوم للقوميين في أي لائحة متماسكة لقوى 8 آذار. وهنا أيضاً، يظهر سوء تقدير باسيل (على عكس الرئيس عون)، لتحالفه مع قوّة عابرة للطوائف ومقاتلة مثل القوميين، في ساحة طائفية مليئة بالعصبيات كلبنان وفي ظلّ صراع مستعر مع القوات اللبنانية يشكّل القوميون تاريخياً رأس حربة في مواجهة مشروعهم. قبل أيام، رتب حزب الله لقاءً بين القوميين وباسيل، في مسعىً لتليين موقف باسيل وفتح نقاش مباشر بين الطرفين. وبحسب مصادر اللقاء، تمسّك باسيل بالمعيار الذي طرحه بعدها بأيام في مؤتمره الصحافي، مبدياً انفتاحاً أوليّاً لا يرقى إلى قناعة بضرورة تمثيل القوميين. وقالت المصادر إن وفد القومي شرح لباسيل أنه لا يمكن التعاطي مع الحزب القومي من المنطق العددي ككتلة طائفية، من خلفية دور القوميين ووجودهم في لبنان وسوريا كقوّة عابرة للطوائف، وكحليف أساسي للتيار الوطني الحر، فيما لم يغب القومي عن أي «حكومة وحدة وطنية» تأسست منذ الطائف وحتى اليوم.