يبدو أنّ ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل يومين عن "عودة الأمور إلى نقطة الصفر بشأن تشكيل الحكومة"، هو أكثر تعبير دقيق عن الأزمة الراهنة التي أدخلت "الولادة الحكومية" في مخاضٍ عسير. عملياً، دخلت مهلة الـ10 أيام التي تحدّث عنها الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل الحكومة مرحلة "العد"، وباقٍ منها 6 أيام. واليوم، خرج الحريري بتصريحٍ يؤكد فيه أنَّ "التشكيل سيكون خلال 10 أيام، ولكنه إذا اعتذر بعد ذلك، فلن يقبل بتكليفه مجدداً".
كلامُ الحريري قد يكون بمثابة "تنبيه" إلى جميع القوى السياسية المعنية بالتشكيل الحكومي أكثر من كونه سيترجم واقعاً فيما بعد. يدرك الحريري تماماً أن أي اعتذارٍ عن التشكيل سيعيدُنا جميعاً إلى "نقطة الصفر" التي تحدّث عنها برّي، وهو (أي الحريري) يحذر من "إنفجار الوضع الإقتصادي، والتأخير في التشكيل ليس لصالح أحد لأن الوضع صعبٌ جداً".
حالياً فإنّ الحريري ينتظر عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أرمينيا، وهو يراهن على إيجابية الأخير، في حين أنّ لقاءاته السياسية توسّعت، حيث التقى، مساء اليوم الثلاثاء، وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم رياشي موفداً من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وقد غادر بيت الوسط بدون الإدلاء بتصريح. كذلك، التقى الحريري النائب في كتلة "اللقاء الديمقراطي" وائل أبو فاعور بحضور وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غطاس خوري. ومع ذلك، فإنّ ما قاله الحريري عن "الإعتذار" وصلت أصداؤه سريعاً إلى مختلف الأطراف السياسية، وبدأت تترجم ما قاله بإتجاه مسارين: الأول وهو أنّ الحريري يعمل على دفع الجميع للتنبه إلى خطر تأخير التشكيل والتذرع بخطوة الوضع الإقتصادي الصعب، أو أنّ كلامه قد يترجم جدياً، وبالتالي فإنّ الإعتذار سيحصلُ حكماً.
في هذا الصدد، تقول مصادر سياسية في التيار "الوطني الحر" لـ"لبنان24" أنَّ "كلام الحريري عن الإعتذار هو حق شخصي له، وبطبيعة الحال إذا تمّ تكليفه مرّة جديدة فله الحق بألاّ يقبل، وهذا أمرٌ عادي في الحياة السياسية". وتضيف: "قد يكون كلام الحريري نابعاً من عدم رغبته في الإستمرار في هذا الموقع".
وتعتبر المصادر أن "الحريري قد يرى في عدم الخروج بتشكيلة حكومية مرضية بمثابة ضربة للتسوية الرئاسية القائمة، وهو يسعى إلى تشكيلة وطنية ليرضي الجميع أولاً، وثانياً ليحافظ على التسوية من منظوره".
في حديثه اليوم، لفت الحريري إلى أنّ "كلام الوزير باسيل الأخير ليس إيجابياً"، وعليه تعلق المصادر بالقول: "باسيل إيجابي كثيراً. ولكن إذا كان الحريري يرى أن الإيجابية تكمن في أن يتنازل الوطني الحر من حجمه لصالح أحجام أخرى، فهذه ليست إيجابية". وتضيف: "كذلك، إذا كانت الإيجابية بالنسبة للحريري تكون من خلال توزيع حصص من تحت الطاولة لأطراف ليس لها أحجام، فإنّ ذلك أيضاً لن يكون".
إلى ذلك، توقفت مصادر "الوطني الحر" عند كلام وزير التربية مروان حماده، اليوم بعد لقائه الرئيس نبيه بري بشأن معيار التشكيل، وتقول: "الوزير حماده يقول أنه في الحسابات، إذا كان لكل 5 نواب وزير، فإنّ اللقاء الديمقراطي يحصل على كل الوزراء في الحصة الدرزية، وهذا أمرٌ غير صحيح. في المبدأ، اللقاء الديمقراطي له الحق في وزيرين فقط وليس 3، وحتى الآن النائب وليد جنبلاط لم يتقبل فكرة وجود كتلة نيابية يرأسها النائب طلال ارسلان في الشوف".
من جهتها، علّقت مصادر نيابية في الحزب "التقدمي الإشتراكي" على ما قاله الحريري بشأن الإعتذار، وتقول: "بات معلوماً لدى كل القوى السياسية أنّ التأجيل في تشكيل الحكومة سيدخلنا في نفق مظلم". وعن سيناريو إعادة تسمية الحريري لتشكيل الحكومة مرّة جديدة بعد اعتذاره، تقول المصادر: "ليس سهلاً العودة إلى الإستشارات النيابية من جديد. في حال اعتذر الحريري ونتمنى أن لا يحصل ذلك لأن البلد بحاجة لحكومة، فإنّ الحديث عن تسمية أحد لرئاسة الحكومة سابقٌ لأوانه، ولا نستطيع البتّ به الآن".
وأضافت: "النائب وليد جنبلاط طرحَ مبادرات إيجابية خلال اليومين الماضيين، إلاّ أنه ما من أحدٍ تلقف ذلك ولم نرَ أي طرفٍ سياسي رحّب بإيجابية جنبلاط، والظاهر أنّ البعض يحاول أن يأخذ الأمور نحو السلبية دائماً".
بدورها، ترى مصادر عين التينة في كلام الحريري "دعوة للتعجيل في تشكيل الحكومة، لأن الوضع لا يحتمل التأجيل"، لافتةً لـ"لبنان24" إلى أنَّ "الرئيس نبيه بري قال أمام زواره أنّ المشكلة في التشكيل تكمن بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وفي حال تمّ حل هذه المشكلة فإنّ باقي العقد سهلٌ حلّها".