مما لا شكّ فيه أن الحكومة منغمسة في حلحلة ملف التكشيل، الذي بات عثرة في طريق العجلة الاقتصادية في لبنان، ولا وقت للالتفات الى هموم المواطن المتراكمة منذ عشرات الاعوام، فيكف الحال اذاً إن كان المعني غريباً قادماً من خارج البلاد؟
سائر عبد الجليل، سوري الجنسية ومقيم في لبنان منذ اكثر من عشرين عاما، ويعمل "حفّار موبيليا" لدى احدى المؤسسات التي تسوّي له اوراقه القانونية، متزوج ولديه ثلاثة أولاد يتلقّون تعليمهم في احدى المدارس الرسمية في منطقة الكورة شمال لبنان، يفاجأ هذه السنة برفض المدير تسجيل أبنائه بحجة "ما في محلات"! فبدأت مهمة البحث لإيجاد مدرسة بديلة ليتمكن الاولاد من متابعة تعليمهم، الا أن الجواب من قبل مدراء المدارس الحكومية كان دوما بأن لا مجال لطلاب جدد من الجنسية السورية وأن على الأب اعادة اولاده الى مدرستهم السابقة!
سائر الذي قصد "لبنان 24" مطالبا بنشر قضيته الى الرأي العام بعدما توجّه الى دائرة التربية في طرابلس، عارضا مشكلته على رئيسة المنطقة التربوية من دون أن يلقى جواباً شافيا أو قراراً يعيد صغاره الثلاثة الى صفوفهم لمباشرة عامهم الدراسي الجديد.
يقول سائر والدمع يسيل من كلماته، والحيرة وقلّة الحيلة يهدّان الأب المكافح الذي لا يملك حلما سوى تأمين تعليم أولاده وضمان مستقبلهم: "بعدما تمّ تغيير المدير في مدرسة "برسا- الكورة"، رفض الاخير تسجيل اولادي، علما ان المدراء السابقين الذين تعاقبوا على المدرسة كانوا متعاونين جدا ولم يميزوا ابدا بين لبناني وسوري. ويضيف: لو كنت أملك مالا وفيراً لما اضطررت الى "كل هالبرمة" وكنت قمت بتسجيلهم في المدارس الخاصة وحفظتُ كرامتي، مشيراً الى أنه بذل كل ما في وسعه لإلحاق الاولاد في مدرستهم ولكن عبثاً! وقد توجّه سائر الى مدير المدرسة متسائلاً: يا اخي في شي شخصي بيني وبينك؟ ليش رافض تسجلي ولادي لكن؟ مؤكدا ان احد اولاده متفوّق جدا إذ احرز المرتبة الثانية في مجموع علاماته بين طلاب المدرسة، وختم "ولادي شاطرين ومهذبين ليش هيك عم يصير"؟
من هنا، ولأن التعليم هو حق لجميع الناس على اختلاف جنسياتاهم وانتماءاتهم وقدراتهم الذهنية، ولأن الثقافة والمعرفة لا تفرّق بين نازح أو مقيم، ولأن العنصرية البغيضة باتت تشكّل واقعا مقززا في لبنان، حيث لا يحقّ لمدير المدرسة الرسمية التفرّد بقرارغير صادر عن وزارة التربية والتعليم العالي ولا يجوز ان يخضع التعليم لمزاجية اصحاب القرار، أثرنا هذه القضية عبر موقعنا مطالبين الجهات المختصة بالتدخل اللازم والاسراع لحلّ هذه المشكلة وإعادة الاولاد الى صفوفهم، إذ يكفي هذا الوطن إذلالا بأبنائه اللبنانيين والمقيمين فيه من جنسيات مختلفة، والمهاجرين منه الهاربين من واقعه الأليم الى أي مكان عدا لبنان.