تفسيرات أخرى خرجت لتضحد تلك الفكرة، أبرزها أنّ لبنان دولة لا تشبه معظم الدول العربية من حيث نظام الحكم الواحد، وبالتالي فإنّ هذا الأمر ساهم بتقوية النظام اللبناني لحدود استحالة اسقاطه في الشارع. فالتغيير في لبنان لا يكون بإسقاط رأس الهرم، إنّما يفترض أن يبدأ باستئصال الفساد من داخل المؤسسات.
عودة البعض إلى الشارع اليوم لم تأتِ من فراغ، فتراجع الوضع الإقتصادي في لبنان في السنة الأخيرة بشكل ملحوظ ساهم برفع أصوات اللبنانيين تجاه الفساد، وبعدما كان التصويب عليه قبل ثلات سنوات محدودا ضمن مبادرات فردية، باتت اليوم مواقع التواصل الإجتماعي تضج بأوجاع اللبنانيين، الذين كسروا حاجز تسمية الفاسدين كل من منطلقه ونظرته.
وأشارت مصادر اقتصادية مطّلعة إلى أنّ لبنان يمرّ بعجز اقتصادي تاريخي لم يحدث سابقاً، فبعدما كان عدد المدينين في لبنان يتراوح إلى نحو النصف مليون مواطن تجاوز عددهم اليوم المليون، والملفت في هذا الإطار أن نسبة القروض الممنوحة للإستثمار البسيط لا تتجاوز 1%، فيما الغالب الأعم من القروض يُطلب لتسهيل مصاريف الحياة اليومية، والأقساط التعليمية على سبيل المثال، كما أن بعضها يراد به تسديد دين شخصي آخر.
وإذ تداعت مجموعة من اللبنانيين لتحرّك نوعي قد يكون الأوّل من نوعه في لبنان، حيث سيقومون بإطفاء محرّكات سياراتهم ليومي السبت والأحد المقبلين، وذلك احتجاجًا على الإرتفاع المتزايد لأسعار الوقود.
يقول مراقبون إنّ عودة اللبنانيين إلى الشارع سواء كان من خلال الإعتصام أو التحرّك رفضاً لارتفاع أسعار الوقود يأتي كمقدمة لإنفجار اجتماعي كبير، فسياسة "الترقيع" لم تعد نافعة وهناك في لبنان من تجاوز خطوط الفقر بأشواط.
من جهة أخرى، لا يعوّل هؤلاء على أيّ نجاح للتحرّكات، لا سيّما في ظلّ غياب الدعم الإعلامي والإعلاني لها. وهنا نعود بالذاكرة الى نشأة الحراك قبل سنوات وتسابق القنوات على تغطيته ومتابعته ليُطرح السؤال القديم الجديد: هل بالفعل كان ذلك الحراك مموّلاً خارجياً؟ وفي حال كان الجواب لا، فما هو سبب تراجع الحملات اليوم اذاً؟ يختم المراقبون بالتشديد على أن سقوط الشارع اليوم بفشل جديد سيكون له انعكاسات سلبية على المطالب المحقة للشعب اللبناني، وبالتالي سيؤدّي إلى انتصار جديد لفساد السلطة واستسلام الشعب وفقدانهم لأيّ أمل بالتغيير.