أول ما اعتبر كإعلان مسؤولية من قبل الإعلام والسلطات الإيرانية كان تغريدة وردت على معرف "الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية"، إلا أنها لم تكن إلا مجرد دعوة لحملة تضامنية ولم يتأخر القائمون على الجبهة المذكورة في نفي أية مسؤولية، لا وبل باتهام السلطات الإيرانية بالوقوف وراء الهجوم.
ثم جاء تبنٍ صريح من قبل حبيب جبر الذي يُعرف عن نفسه كناطق باسم "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، إلا أن الحركة نفسها لم تتأخر أيضا بإصدار بيان يؤكد عدم مسؤوليتها لا بل وتفيد في سياقه عن فصل جبر منذ عام 2015. ثم جاء تبنٍ من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلا أنه لم يؤخذ على محمل الجد لأنه حمل خطأ في طياته، إذ أفادت "وكالة أعماق" الناطقة باسم التنظيم عن وجود الرئيس الإيراني خلال العرض العسكري ما كان عاريا عن الصحة. وما لبثت الوكالة المذكورة أن نشرت تصحيحا يفيد أن ذكر الرئيس الإيراني جاء عن طريق الخطأ.
إلا أن ما زاد من اللغط هو تسرع السلطات الإيرانية في اتهامها لعدد من دول الخليج العربي وللولايات المتحدة بالوقوف وراء الهجوم، وذلك من خلال الدعم الذي تؤمنه تلك الدول للجماعتين المذكورتين أعلاه منذ عقود. وفي موقف فريد من نوعه كانت بعض الأقلام النافذة وبعض الإعلام العربي يفتخر بالهجوم مؤكدا بطريقة غير مباشرة الرواية الإيرانية الرسمية، وذلك بالرغم من إنكار الجهات المعنية مباشرة.
ذلك إلى أن نشر تنظيم "الدولة الإسلامية" فيديو نرى فيه المهاجمين يتكلمون عن أهدافهم وجهادهم والعملية القادمة متوعدين الحرس الثوري الإيراني، دون ذكر مكان أو زمان العملية. فنرى المهاجمين في سيارة مرتدين لباس الحرس الثوري العسكري، يتكلمون العربية عدا واحد يتكلم الفارسية. بالرغم من ذلك، لم يكن هناك ذكر للبيعة لأبي بكر البغدادي أو لتنظيم "الدولة الإسلامية" كان غريبا نوعا ما نسبة لفيديوهات تبنٍ سابقة، كما أن المنتجة كانت رديئة نوعا ما. مما أثار تساؤلات المتابعين، لكن ما لبثت أن توضحت الأمور مع مقارنة صور المهاجمين القتلى كما نشرها الإعلام الإيراني، فنلاحظ أن ثلاثة منها على الأقل تتطابق مع من نرى في الفيديو المذكور أعلاه.
وأمس الثلاثاء، في تطور واضح، نشرت صحيفة "جافان" الإيرانية المقربة من الحرس الثوري مقالا يشير إلى عدم إمكانية وضع فرضية مسؤولية تنظيم "الدولة الإسلامية" جانبا لعدة أسباب، تبدأ بتكتيك الهجوم المتبع والذي لا يتطابق مع ما تعتمده الحركات الأحوازية عموما، مرورا باللغة والمصطلحات الجهادية التي استخدمها المهاجمون، منتهيا بالمقارنة المتطابقة ما بين القتلى من المهاجمين والمتوعدين في الفيديو الذي صدر عن وكالة "أعماق" كما ذكرنا. لكن أهم ما في المقال النقطة الخامسة، إذ يفيد الكاتب بمعلومة مهمة، لا بل الأهم، وهي أن "اثنين من المهاجمين أشقاء، وأن شقيقا لهم قتل في صفوف تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في سوريا". وهنا الخيط والدليل الذي يوجه بلا ريب نحو مسؤولية التنظيم الحقيقية، كما الدليل على إدراك السلطات الإيرانية لحقيقة الأمر بالرغم من التصريحات الاتهامية لجهة أو لأخرى.
هذه ثاني مرة تتعرض فيها الجمهورية الإسلامية لهجوم من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" على أرضها. الأول كان في حزيران/يونيو 2017، حين هاجم الجهاديون ضريح الخميني مؤسس الجمهورية الإسلانية ومبنى البرلمان الإيراني في طهران موقعين عددا من القتلى والجرحى. فللجهاديين صراع ديني، عقائدي ودنيوي كبير مع الجمهورية الإسلامية والشيعة عموما. دون الدخول في حيثيات الصراع الديني والعقائدي المعقدة، فبمجرد ذكر ساحات الصراع المتأججة كسوريا والعراق واليمن يفهم القارئ أن المعارك في أوجها ما بين الفريقين، وأن إيران هي القوة الإقليمية التي تستثمر جل قوتها العسكرية والاقتصادية في الصراع مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، ذلك أولا وأخيرا خدمة لمصلحتها في بناء نفوذ فاعل من الخليج إلى المتوسط.
أما إن كان السؤال لما تتهم طهران بعض دول الخليج، الولايات المتحدة ومعها إسرائيل؟ فالجواب هو فضلا عن كون هذا الاتهام روتينيا منذ سنوات، إذ تعتبر إيران أن هذه الدول هي المحرك لتنظيم "الدولة الإسلامية" وهذا من البروباغندا البحتة، فإن هذا الاتهام اليوم يعطي لإيران أوراق ضغط في المحافل الدولية والدبلوماسية، ما لا يؤمنه اتهام المسؤول الحقيق ألا وهو تنظيم "الدولة الإسلامية". ومن جهة أخرى الاعتراف الصريح بتمكن الجهاديين من تنسيق وقيادة عملية في قلب الأهواز وفي ذكرى الحرب العراقية الإيرانية له وقع معنوي أكبر من اتهام أجهزة دول قائمة وفاعلة.
نهاية بات من الواضح اليوم أن الحركات الجهادية على اختلافها باتت تبني على أنقاض حركات يمكن تصنيفها وطنية أو تحررية وباتت مترهلة إلا أن قضاياها ما زالت قائمة. وينطبق ذلك على مغارب العالم الإسلامي ومشارقه.
وسيم نصر
نشرت في : 26/09/2018