آمال خليل – الاخبار
أخيراً، بعد 43 عاماً على الحرب الأهلية، وصل صوت أهالي المفقودين والمخفيين قسراً إلى مجلس النواب. «اقتراح قانون المفقودين قسراً» هو البند 29 على جدول أعمال الجلسة التشريعية الثانية اليوم. تخطى أصحاب القضية قذف معاناتهم إلى أسفل الجدول. وهم يعتصمون اليوم مجدداً أمام المجلس بالتزامن مع الجلسة، من دون أن يغادرهم القلق من أن يحول بطء سير المناقشات دون وصول القانون الى «برّ التصويت».
كانت مريم السعيدي، والدة المفقود ماهر قصير، تقف مع عدد من «زميلاتها» من أهالي المفقودين في ساحة رياض الصلح، التي ألفنها وألفتهن، رافعات لشعارات عمرها سنوات: «حق المفقود أن يعرف مصيره». فيما كانت وداد حلواني، رئيسة «لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في الحرب الأهلية» وزوجة المفقود عدنان حلواني، «تتسلل» إلى المجلس النيابي قبيل بدء اليوم الأول من الجلسة التشريعية أمس «مستعينة بصديق». وزّعت على من استطاعت الوصول إليهم رسالة من الأهالي تناشدهم بأن «تتصرفوا كبني آدمين وتضعوا حداً للعذابات والآلام بإقرار قانون المفقودين وتنهوا النضال الذي بدأناه من سنوات بعيدة؛ لتكن فاتحة أعمال المجلس الجديد خاتمة لآخر ملف من ملفات الحرب». النواب تصرفوا كـ«بني آدمين» مع حلواني، ولو بالشكل، حتى أولئك الذين يمثلون جهات محسوبة على «اللاآدميين في زمن القتل والخطف».
تبني النواب للقضية ليس جديداً على أصحابها. اعتادت اللجنة أن يستقبلها معظم السياسيين وأن يسمعوها وعوداً وكلاماً معسولاً عن الحق والعدالة. اليوم حان وقت الفعل. يملك الأهالي إشارات عدة للقلق على مصير القانون. وضعه في آخر جدول البنود بدا انعكاساً لمستوى الإهتمام الرسمي به، و«قد يعرضه للتأجيل بسبب بطء سير النقاشات اليوم (أمس)»، بحسب حلواني.
يتألّف اقتراح قانون «المفقودين والمخفيين قسراً»، الذي يعتبره الأهالي محطة مفصلية بعد 36 عاماً من المتابعة، من 43 بنداً ويشكل دمجاً لاقتراحي قانون، الأول قدمه النائبان السابقان غسان مخيبر وزياد القادري والثاني قدمه النائب حكمت ديب. يستند الإقتراح الحالي على عريضة سجلتها اللجنة في الأمانة العامة لمجلس النواب عام 2012 بمساعدة مخيبر. بعد عامين، تبلورت مع الإقتراحين اللذين قدما عام 2014، قبل أن يدمجا. منذ ذلك الحين، تنقل القانون بين لجنة حقوق الإنسان ولجنة الإدارة والعدل في المجلس السابق. الأخيرة أقرت في 9 ايار الماضي قانون إنشاء هيئة وطنية مستقلة للمفقودين والمخفيين قسراً.
في مادته الثانية، ينص الاقتراح على «حق الأسر في معرفة مصير أفرادها وذويها المفقودين أو المخفيين قسراً وأمكنة وجودهم او مكان احتجازهم (…)». المعرفة تستدعي «حق الإطلاع على المعلومات المتصلة بتقفي آثارهم والتحقيقات (…) التي من شأنها تحديد مصيرهم واستلام المعلومات المتصلة بتقفي الآثار والمتوافرة لدى الهيئات والإدارات والسلطات المختصة». الاقتراح ينص أيضاً على «حق الأسر بالتعويضات المعنوية والمادية المناسبة»، وعلى تشكيل «هيئة وطنية» لـ «تقفي آثار المفقودين وضحايا الاخفاء القسري للعمل على اطلاق سراحهم او استعادة رفاتهم والإستماع الى اي شخص يشتبه بأن لديه معلومات بهذا الشأن وتلقي البلاغات عن الأشخاص المفقودين والمخفيين قسراً والمعلومات عن أماكن الدفن والاستماع لشهادات الأهالي أو للشهود والتأكّد من التدقّيق في قاعدة بيانات الحمض النووي أو أية معلومات أو عينات حيوية لازمة لتحديد هوية المفقودين والمخفيين قسراً مع السلطات المختصة تحلل وتحفظ لدى المختبر الجزائي المركزي لدى قوى الأمن الداخلي». كما تتولى الهيئة «إنشاء لجنة خاصة تشرف على المقابر الجماعية وبنك معلومات عن مواقع أماكن الدفن ونبشها وتحديد هويات الرفات واقتراح آليات جبر الضرر للمفقودين والمخفيين قسراً واسرهم، وتقديم الدعم للأسر».
لا يعترف اقتراح القانون بقانون العفو العام الذي برأ ميليشيات الحرب الأهلية وطوى صفحتها. ولا يغفل محاسبة المتورطين بالخطف والإخفاء وهو ما يعرضه لخطر التجميد في الأدراج أو التعديل حتى التشويه. إذ ينص الفصل السادس على معاقبة «المحرض أو الفاعل أو الشريك أو المتدخل في جرم الإخفاء القسري، بالأشغال الشاقة من خمس سنوات الى خمس عشرة سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون ليرة لبنانية الى عشرين مليوناً. ويعاقب من عرقل الوصول للحقيقة بالسجن بين ستة أشهر إلى سنتين. وتشدد العقوبة في حال تبين أن الفاعل كان عالماً أن الشخص المفقود أو المخفي قسراً لا يزال على قيد الحياة أو من عبث بأماكن الدفن».
يقول رئيس لجنة حقوق الانسان النيابية ميشال موسى إن اللجنة عملت على إيصال اقتراح قانون إنشاء الهيئة الوطنية المستقلة للمفقودين حتى يصبح قانوناً نافذاً جاهزاً لطرحه على الهيئة العامة لمجلس النواب. ولفت إلى مطلب آخر «نعمل عليه وهو تبني مجلس الوزراء للائحة البيانات الجينية للمخطوفين المنظم من الصليب الأحمر الدولي والموجود لدى قوى الأمن الداخلي».
رغم ذلك، يبقى القلق قائما من أن يغفل النواب اليوم مناقشة قانون إرث الحرب الأهلية. فهذا هو حال الأداء الرسمي منذ عام 1990 عندما صدر العفو العام عن جرائم الحرب إلى إعلان وفاة جميع المفقودين والمخطوفين عام 2000 من قبل اللجنة التي شكلتها حكومة الرئيس سليم الحص، وصولاً إلى مماطلة وزارة الداخلية بإعطاء الإذن لقوى الأمن الداخلي لجمع عينات الحمض النووي من الأهالي استكمالاً لما قام به الصليب الأحمر الدولي الذي جمع البيانات الجينية للمخطوفين. لكن «المعلقين بالحبال»ن كما وصفتهم حلواني، يتعلقون اليوم بقبة البرلمان.