عصام نعمة إسماعيل – الاخبار
بمعزل عن الأسباب والمبررات أو حتى مشروعية قرار وزير التربية والتعليم العالي بإعفاء موظفة من مسؤولياتها كرئيس دائرة الامتحانات الرسمية، فإن المفاجأة كانت بقرار وزير البيئة بإعفاء موظف من مهامه كانتقام لموظفة وزارة التربية لا لذنب إلا لكونه محسوب سياسياً على فريق وزير التربية. لكن الأسوأ من قرار الإعفاء الانتقامي، هو دخول وزير البيئة في مساومة أبدى فيها استعداده للعودة عن قراره بشرط معاملة وزير التربية بالمثل.
هذا التصرف الذي يظهر مدى تغّول السياسة في الإدارة، بحيث بلغت الاستباحة حدّ اعتبار الإدارة حلبة منازلة بين السياسيين على الطريقة الرومانية، فيصبح الموظف أداة تسلية أو انتقام أو لهو لرجال السياسية، بما يفقد الموظف كرامته الإنسانية ويجعله ألعوبة يتقاذفها رجال السياسة على هواهم.
كلا لا يجوز أن تكون الإدارة اللبنانية محطة للانتقام أو تصفية الحساب، ولا يجوز أن يقدم وزير البيئة على تلك الخطوة غير المفهومة ولا المبررة في القانون، بل واضحٌ فيها أن النية من إقالة الموظف هي الانتقام السياسي، وهذا ما يعرف بالقانون الإداري بالانحراف في استخدام السلطة لأغراض لا تمت إلى المصلحة العامة بصلة. فقد عبّر وزير البيئة صراحة عن انحرافه عن المصلحة العامة واتخاذه القرار لأسباب حزبية انتقامية، وهي أمور تعرض قراره للإبطال الحكمي أمام مجلس شورى الدولة. كما توجب مساءلة الوزير شخصياً أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لإخلاله بواجباته الوظيفية المفروضة عليه وفق المادة 70 من الدستور، حيث فسر مجلس شورى الدولة معنى الإخلال بالواجبات الموجبة لمحاكمة الوزير بأنها تتحقق: «عندما تستعمل السلطة الإدارية ما أعطيت من صلاحيات وامتيازات في غايات لا تمت إلى المصلحة العامة وتسخّر في سبيل تحقيق غايات خاصة، تكون السلطة الإدارية حورت السلطة الممنوحة لها وأساءت استعمالها وتصرفت بما تملك من سلطات لتحقيق غاية غير الغاية التي منحت لها هذه السلطة من أجل تحقيقها». فالمادة 66 من الدستور قد أولت الوزراء إدارة مصالح الدولة، وأناطت بهم تطبيق الأنظمة والقوانين، كل في ما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما يخص به، مما يجعل الوزراء مؤتمنين على المصالح العامة التي أنيط بهم أمر إدارتها وملزمين باحترام الأنظمة والقوانين وتطبيقها في ما وضعت له من أهداف وغايات، وأن كل تجاوز لهذه الأهداف والغايات والانحراف عنها، يشكل إساءة لاستعمال السلطة ويصبح غير جدير بالحماية.
ومن هنا، فإن ما أقدم عليه الوزير هو مغاير للمادة 66 من الدستور التي أناطت بالوزير إدارة مصالح الدولة، فإذا به يستغل الوزارة لإدارة مصالح الحزب الذي ينتمي إليه، وهو أمر لم تشهده الإدارة اللبنانية بهذه الصورة العلنية غير المألوفة والمنفّرة حيث تاهت بفعله موازين العدل. إذ في هذه الموازين، فإن التدبير الإداري أو العقابي إنما يكون مبنياً على سببٍ صحيح، فأيّ سبب دفع وزير البيئة إلى إعفاء موظف من مهامه الوظيفية، وأي نظامٍ تأديبي أو إداري يمكن بعد اليوم صونه واحترامه.
لذا ومن باب الحرص على الإدارة اللبنانية، نأمل من معالي وزير التربية والتعليم العالي أن لا يقبل بالمساومة التي طرحها وزير البيئة، لأن الأذى الفردي الذي قد يلحق بموظف واحد، يبقى أهون من أن تصبح عادة الانتقام من الموظفين هي السائدة في الإدارة اللبنانية، مع ما يستتبعها من مفاعيل كارثية في تعامل السياسة مع الإدارة. وإذ أنصح وزير البيئة بالرجوع عن قراره طواعية، فإن هذه التجربة تدفعنا فعلياً إلى طلب فصل الإدارة عن السياسة، أو على الأقل وضع الضوابط لتصبح العلاقة بينهما تشاركية لا تغوّلية.