الجميع يعرف بالتفصيل المملّ كيف لُقِّحت حكومةُ سعد الحريري على عجل بسبعة وزراء دولة ، كانوا بمثابة جوائز ترضية، التحقوا بأصحاب حقائب الوزن الثقيل و”مناجم” الخدمات… ليخيَّل للّبنانيين أنّ هذه الحكومة لن تعالج فقط ما اعتقدوا أنه من صنف “الفالج الذي لا يُعالَج”، وإنما سيكون لها ترفُ تناول قضايا لا تعرفها إلّا الدول المتطوّرة!
الى جانب مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية الذي صار من الثوابت الحكومية، انضمّ الى تشكيلة “السمن والعسل”، كل من معين المرعبي (شؤون النازحين)، ميشال فرعون (شؤون التخطيط)، أيمن شقير (شؤون حقوق الإنسان)، جان أوغاسبيان (شؤون المرأة)، الوزير الراحل علي قانصو (شؤون مجلس النواب)، بيار رفول (شؤون رئاسة الجمهورية)، ونقولا تويني (شؤون مكافحة الفساد).
تاريخياً، المرة الأولى التي ضمّت حكومةٌ في لبنان وزراءَ دولة بلا حقائب كانت حكومة تقي الدين الصلح عام 1973 في عهد الرئيس سليمان فرنجية بسبب الحاجة السياسية الى “تضخيم” عديد الحكومة، كان “ضيوفها الجدد” بمثابة “جوائز ترضية” للكتل النيابية والأفرقاء، وسُمِّيت يومذاك “حكومة كل لبنان”. أما “ضيوف الشرف” فكانوا: ألبير مخيبر، جوزف شادر، علي الخليل، ومجيد أرسلان.
سبع وزارات “زيّنت” تشكيلة سعد الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال عون، عارية من الهيكليات، من الموازنات، من الموظفين. وحتى من الدور والمهمة. سبعة “معالي” صاروا على طاولة مجلس الوزراء، ومعظمهم، سيخرجون بصفة “عاطلين عن العمل” برتبة وزراء.
عملياً، وحده مكتب الدولة وزير التنمية للشؤون الإدارية يُلحظ في مشروع الموازنة العامة أسوة ببقية الحقائب الوزارية منذ نشأته في العام 1994، وله موازنة تشغيلية، مع العلم أنّ الكادر الوظيفي لا يتبع أبداً نظام الوظيفة الرسمية ولا مجلس الخدمة المدنية (ليست وزارة مُحدَثَة بقانون)، وإنما يتوزعون الى قسمين: قسم يتعاقد بواسطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وقسم بنظام تعاقد خاص يرتبط حصراً بالبرنامج الذي يتمّ تنفيذه (ولكن عادة ما ينتقلون من برنامج الى آخر),
وقد صنّف مشروع الموازنة للعام 2017 الموظفين في المكتب تحت بند “متعاقدين واجراء ومتعاملين ومستشارين”، ورصد لهم نحو 1200 مليون ليرة.
“شؤون المرأة”
في المقابل تحوّلت وزارة شؤون المرأة في أشهر معدودة الى مكتب وزير الدولة لشؤون المرأة. بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صارت للمكتب هيكلية من سبعة موظفين أو “خبراء”، بعدما رصد مجلس الوزراء موازنة تشغيلية بلغت 400 ألف دولار، وُضعت في تصرف الـUNDP، لكي يدفع رواتب العاملين في الوزارة بعدما تمّ اختيارُهم وفق الأصول المتّبعة في الأمم المتحدة.
بعد ذلك وُضِعَت استراتيجة تحدّد رؤية الوزراة وخطة عملها في هذا المجال، الأمر الذي فتح الباب أمام هبات مالية سيحصل عليها المكتب من جهات مانحة يُفترض أن توضع في تصرّف برامج ستنفّذها جهة ثالثة، لا مكتب الوزير الموكل اليه حصراً مهمة المتابعة والتدقيق والتنسيق.
وبالنتيجة يعمل المكتب ولا “قرش” في صندوقه المالي. موظفون يحصّلون رواتبهم من الـUNDP، فيما المشاريع المنفّذة، تقوم بها جمعيات أو مؤسّسات معيّنة، ويتم تمويلها عبر هبات دولية.
المكتب عمل على وضع استراتيجيات تخص المرأة، برامج تساهم في تحفيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، مذكرات تفاهم مع جمعيات ومؤسسات، مشاريع قوانين (معاقبة التحرّش الجنسي، تعديل قانون الضمان الاجتماعي، قانون البلديات…).
وزارة المليون نازح
وزارة الدولة لشؤون النازحين سارت على الدرب نفسه. صارت مكتباً للوزير واستعانت بمفوّضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي في لبنان. وزارة “المليون نازح” وأكثر، حملت أوزاناً ثقيلة، أقلّه في لافتتها، لكنها في المقابل عُرّيت من كل مقوّمات الصمود والإنتاجية. لا بل اضطرّت الى مواجهة واقع وجود وزارة أخرى تنافسها على المهمة ذاتها: وزارة الشؤون الاجتماعية التي ورثت الملف من حكومة تمام سلام وأبقت عليه في مكاتبها… إلى أن صار هناك أكثر من طبّاخ، فاحترقت الطبخة.
أما معين المرعبي فقد اصطدم بواقع تجويف الوزارة وشلّها لتصير غيرَ منتجة: لا صلاحيات، لا موازنة، لا حساب مصرفيّاً خاصاً بالوزارة، لا إمكانات ولا حتى موظّفين. واقتصر دور الوزارة على إنشاء منصّة تنسيق بين الوزارات لوضع سياسة موحّدة بعدما رُفضت مناقشة إنشاء هيكلية تنظيمية خاصة بالوزارة.
وبينما صار لمكتب وزير الدولة لشؤون المرأة موقع الكتروني يعرّف عنه وعلم يحمل اسمه، يفتقد مكتبُ وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد الى أيِّ “دعم رسمي”. مكتب، مدير مكتب، وسكرتير. هذا كل ما «تكرّمت» به الحكومة على الوزارة. والبقية من “جيب” الوزير.
شؤونُ التخطيط
وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون تقدّم من مجلس الوزراء في 24 أيار 2017 بمقاربة لتمكين دور التخطيط الوطني ولوضع خريطة واضحة لتحقيق أهداف الإصلاح الوطني (مؤجّل من جلسة 10/5/2017)، طلب موازنة بقيمة 800 مليون ليرة لتشكيل أمانة عامة في الوزارة للتنسيق بين خطط الوزارات الأخرى ومشاريعها، لدرسها واختيار الأفضل لمتابعتها، على أن يتمّ تطوير الفكرة إذا نجحت الى مجلس أعلى للتخطيط. ولكنّ مكتبه في المبنى المقابل للسراي الحكومي، والذي يستضيف مكاتب وزراء الدولة، بقي شاغراً، إلّا من ثلاثة موظّفين هم من فريق عمل مكتبه الخاص.
تقدّم فرعون بأكثر من اقتراح ينقل وزارته من لافتة عريضة إلى هيكلية تنظيمية ذات دور فعّال، لكنه كان يصطدم بجدار الممانعة مع العلم أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري وعداه خيراً في أكثر من مناسبة.
لكنّ الخشية من تقليص صلاحيات بقية الوزارات والمجالس، وتحديداً مجلس الإنماء والإعمار، أبقى عليه “وزيراً عاطلاً عن الدور”، مع العلم أنّه حاول عدمَ تجاوز صلاحيات الآخرين والسير بخفّة في حقل ألغام “نفوذ” المجالس والوزارات، لكن بلا جدوى.
للتذكير، ثمّة اقتراح قانون قدّمه النائب علي حسن خليل عام 2009 لإعادة العمل بوزارة التصميم واستبدال اسمها باسم “وزارة التخطيط” وإلغاء القوانين والمراسيم الاشتراعية التي أنشأت مجلس الإنماء والإعمار، ومجلس الجنوب، والصندوق المركزي للمهجّرين والهيئة العليا للإغاثة.
ولسخرية القدر، فقد تمّ إنشاءُ وزارة تصميم في لبنان عام 1954 ولكنها أُلغِيت عام 1977 وكان البديل إسناد دراسة المشاريع المتعلّقة بالتنمية والإعمار إلى مجالس طغى عليها الطابع الخدماتي وفق نظام المحاصصة، مثل مجالس الإنماء والإعمار والمهجّرين والجنوب. وقد عملت هذه المجالس “بالمفرّق” تحت وصاية رئاسة مجلس الوزراء من دون أيّ خطّة متكاملة على المستوى الوطني.
أما دور هذه الوزارة الحيوية فيمكن تلخيصُه بالآتي:
– إعداد خطة عامة شاملة وتصاميم مُستدامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
– رسم سياسة اقتصادية واجتماعية ومالية موحَّدة تنسجم مع الخطة العامة.
– جمع المعلومات الإحصائية المتعلّقة بمختلف وجوه الاقتصاد والاجتماع وإعدادها وتحليلها ونشرها وتنسيق الأعمال بين الدوائر الحكوميّة.