ثمة حراكات سياسية ثنائية وجماعية محمومة تتعلّق بالصراع السوري ، فبعد قمة طهران في 7 أيلول الجاري بين الرؤساء فلاديمير بوتين وحسن روحاني ورجب طيب أردوغان ، ثمة حديث عن لقاء جديد بين الرئيسين الروسي والتركي في سوتشي اليوم (17 أيلول)، في حين شهدت إسطنبول يوم 14 أيلول اجتماعات لممثلين عن تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، كما شهدت جنيف، في ذات اليوم، اجتماعاً لمجموعة السباعية الدولية، التي تضم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسعودية ومصر والأردن، ناهيك عن اجتماع ضمّها مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي اجتمع أيضا مع ممثلي الدول الضامنة الثلاث (تركيا وإيران وروسيا) في جنيف، لبحث مسألة تشكيل اللجنة الدستورية.
الجدير بالذكر أن هذه الاجتماعات أتت مسنودة بمواقف جديدة، وبتحركات أو خطوات عملية لافتة على الأرض، إذ أقامت الولايات المتحدة عدة نقاط عسكرية جديدة لها في مناطق مختلفة شرق الفرات التي تخضع لسيطرتها، علما أنها تساوي حوالي ثلث مساحة سوريا مع احتوائها على أهم موارد طبيعية لها، كما نظمت مناورة عسكرية مع فصائل عسكرية للمعارضة السورية في منطقة التنف، مع إعلانها عن خطة جديدة إزاء سوريا توضح فيه موقفها من حل الصراع السوري، الذي لا يقتصر على إنهاء تنظيم “داعش” وإنما هو يشمل، أيضاً، إنهاء نفوذ إيران، وإيجاد حل سياسي للصراع السوري.
وحتى ألمانيا فقد أعلنت صراحة عن رغبتها في الحضور عسكريا في سوريا ، إلى جانب رفضها، مع فرنسا وبريطانيا، أي مشاركة في الإعمار أو حل مشكلة اللاجئين السوريين قبل فرض حل سياسي، مع مشاركتها في الاجتماع الرباعي في أنقرة والسباعي في جنيف.
أما بخصوص تركيا التي أضحت تبدو أكثر انغماسا في الصراع السوري (بعد إيران وروسيا)، من الناحيتين السياسية والعسكرية، فقد قامت بحشد قوات كبيرة في ريف إدلب، وأقامت نقاطا عسكرية جديدة، إضافة إلى تقديمها أسلحة وذخائر للفصائل العسكرية المعارضة المدعومة من قبلها، هذا مع إعلان رئيسها تصميمه على الحيلولة دون أي هجوم على إدلب يعيدها إلى سيطرة النظام.
بالمحصلة يبدو أن جملة هذه المواقف والتحركات السياسية والعسكرية، ولا سيما منها الموقف الأميركي، هي التي أوقفت أو فرملت الهجوم الروسي، أو هجوم النظام على إدلب، وليس الموقف التركي لوحده على أهميته.
بيد أن كل تلك التحركات السياسية والعسكرية المحمومة، لا تفيد بالضرورة بزيادة حدّة الصراع العسكري، بل قد تفيد بأن الأوضاع باتت ناضجة للتحول من مرحلة الصراع الدولي والإقليمي على سوريا، إلى مرحلة تقرير مستقبل سوريا ، مع علمنا أنه طوال الفترة الماضية كانت سوريا مجالا للصراع بين أطراف دولية وإقليمية، وأن المسألة كانت قد خرجت وبشكل مبكر، من كونها حراكا شعبيا أو ثورة شعب، ضد نظام حكم سوريا قرابة نصف قرن.
بيد أن الحديث عن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة لا يعني أن الأطراف ذاتها، التي كانت مشاركة في هذا الصراع، وهي روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، إضافة إلى مداخلات من هذه الدولة العربية أو تلك، هي ذاتها التي ستقرّر مصير سوريا وشعبها ونظامها السياسي، وإن كان سيكون لها بعض التأثير في ذلك بحكم الواقع، ذلك أن العديد من الدول يمكن لها أن تشارك في حرب هنا أو معركة هناك، بهذا القدر أو ذاك، لكن فرض الاستقرار والإعمار وإعادة اللاجئين، هي مسائل تحتاج إلى دول لديها الإرادة على الحسم بالإضافة إلى القدرات والإمكانيات، المالية والاقتصادية والسياسية.
على ذلك ليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة ومعها روسيا، هما اللتان باتتا تتحكمان بالقرار المتعلّق بإنهاء الصراع في سوريا واستعادة الاستقرار وحتى تقرير شكل النظام السياسي في هذا البلد ربما.
ثمة هنا استدراكان، أولهما أنه لا يوجد مساواة بين الولايات المتحدة وروسيا ، بل ثمة فرق كبير وهائل بين إمكانيات كل من الدولتين، ما يعني أن القرار بالحسم هو قرار أميركي بشكل رئيسي، ومن غير اليقيني اعتبار أن الولايات المتحدة حسمت قرارها بهذا الخصوص حتى الآن، رغم أن المؤشرات تبيّن أنها باتت تسير في هذا الاتجاه بعد وضعها خطة للتعامل مع الوضع السوري مؤخرا، تحولت إلى وثيقة إعلان مبادئ للدول المشاركة في الاجتماع السباعي المذكور أعلاه. أما روسيا فإن دورها على الأرجح سيكون ضمان الاستقرار والقيام بدور الوكيل في إيجاد المخرج المناسب للنظام للضغط عليه، أو إيجاد مخارج له للخروج من المشهد بأقل كلفة أو تبعات ممكنة.
أما ثاني تلك الاستدراكات فيتعلق بالطرفين الإقليميين المعنيين بالصراع السوري، إذ أن الولايات المتحدة لن تتسامح بأي حال مع تزايد نفوذ إيران في سوريا ، سيما إذا كان له طابع عسكري، في حين أنها لا بد أن تأخذ باعتبارها المصالح التركية في هذا البلد، رغم التباينات بين الطرفين، التي لها علاقة بتحجيم الطموحات التركية أكثر من كونها محاولة لإنهاء النفوذ التركي. في المقابل لن يهم الولايات المتحدة إن كانت سوريا منطقة نفوذ روسية فهي كانت كذلك، وحتى عندما كانت على هذا النحو فإنها كانت في ظل نظام الأسد لا تتعارض مع المصالح الأميركية من مختلف النواحي، على ما شهدنا طوال العقود الماضية.
من كل ذلك يستنتج بأن إيران هي التي ستدفع الثمن من وجودها في سوريا ، في مختلف الأحوال، وربما يشمل ذلك العراق ولبنان أيضا، وذلك من مختلف الأطراف (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والبلدان العربية خاصة الخليجية)، إلى هذه الدرجة أو تلك، ولعل هذا الوضع الحرج هو الذي يفسر المأزق الإيراني، لأن الثمن قد يكون في إيران ذاتها في حال كان ثمة ممانعة إيرانية لأي ترتيبات دولية في سوريا .
طبعا ثمة طرف إقليمي آخر في سوريا ، وهو إسرائيل ، إلا أن الأخيرة تأكدت أن مصالحها الأمنية باتت مضمونة، ويحسب حسابها من مختلف الأطراف، سيما من الولايات المتحدة وروسيا وحتى إيران ، التي رضخت لإبعاد قواتها، والميليشيات التابعة لها مسافة 80 كلم عن الحدود الجنوبية لسوريا، بعد الضربات الإسرائيلية المتوالية التي وجهت إليها، من دون أن تقوم بأي ردّ، يتناسب مع ادعاءاتها بالمقاومة ومصارعة إسرائيل ، التي تبينت أنها مجرد شعارات للتوظيف والاستهلاك والمزايدة.