خلال صراع الولايات المتحدة الأميركية مع جارتها الجزيرة الصغيرة كوبا، الذي استمر أكثر من خمسة عقود، لم تتمكن أجهزة الاستخبارات الأميركية، بعظمة قدرها، من اغتيال عالم أو قائد عسكري أو شخصية كوبية مهمة، رغم المواجهات المتعددة التي حدثت بينهما بشكل غير مباشر في إفريقيا وأميركا اللاتينية وعدة مواقع أخرى في العالم، وكذلك الوضع بين واشنطن وكوريا الشمالية.
أما في الصراع العربي – الإسرائيلي، ورغم اختلاف الأحجام، مقارنة بين أميركا وكوبا أو كوريا الشمالية، وبين العرب وتل أبيب – إذ إن العرب مساحة وتعداداً وإمكانات بشرية ومادية أكبر من إسرائيل بكثير- فإن الأخيرة تصفي بشكل مستمر مَنْ تريد مِن علماء وسياسيين عرب وقتما تشاء، وأينما تختار، وغالباً ما يكونون على أراضٍ عربية.
ففي الفترة الأخيرة اغتالت عدداً من العلماء العرب؛ منهم عالم طاقة فلسطيني في ماليزيا، وخبير طيران في تونس، وقبلهما كان الإسرائيليون ينزلون على شواطئ مدن عربية ويغتالون من يشاؤون ويعودون سالمين إلى الأراضي المحتلة.
بالطبع، ليس الإسرائيليون أناساً خارقين، لكنها مجتمعاتنا العربية التي تكثر فيها الخيانة وسهولة اختراقها، فكل تجربة أو بحث يجريه أستاذ في جامعة عربية يصل إلى الإسرائيليين، وكثرة تقسيماتنا الطائفية والعرقية والفئوية تجعلنا بيئة مناسبة للجاسوسية والخيانة، وتمسّك أغلبية أنظمة الحكم الجنوني لدينا بالسلطة يجعلها تتعاون مع الشيطان لا اليهود فقط، ليبقوا على كراسيهم.
هذا باختصار سبب كوارثنا، وسبب ما يحدث من كوارث إنسانية في سوريا وقبلها في فلسطين، لكن الوجع الأعظم حالياً هو ما يجري على أرض سورية، كلهم خانوا الثورة السورية العادلة ضد حكم الأقلية الذي كان يبطش بالجميع في داخل سورية ومن حولها.
فنظام بشار الأسد مزق القضية الفلسطينية وقسّم الصف الفلسطيني، بخلق قيادات فلسطينية متمردة في دمشق أثناء مفاوضات السلام، عبث في لبنان ودمره، وعندما تحرر العراق من النظام الصدامي فتحت دمشق حدودها لـ”القاعدة” وأتباعه لتمزيق العراق وتسليمه لإيران.
الخيانة هي مشكلة العرب، ومن يتتبع سيناريو الأحداث في سورية خلال السنوات السبع الماضية سيجد الغدر والخيانة ماثلين بكل التفاصيل، السوريون أنفسهم خان الكثير منهم الثورة وتقاتلوا فيما بينهم كفصائل وتنظيمات، وأدوات لأيادٍ خارجية عربية وأجنبية، ومع الأسف فإن أبرياء من أطفال ونساء وشيوخ دفعوا ثمن ذلك، واليوم فصول خداع وخيانات جديدة تحاك في إدلب وما حولها، سيكون ضحيتها آلاف من أبناء العرب.