المشروعية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية لا تزال مفهوما جديدا يشكل مفاجأة واستغرابا في الأوساط التي تعتبر أن طبيعة عملها تفرض السعي الى أعلى نسبة أرباح بغض النظر عن رضى المجتمع ومشاركته بها. فماذا تعني حقيقة “المشروعية الاجتماعية” بالنسبة لمؤسسات القطاع الخاص التي تبغي الربح بطبيعتها؟ ما هي المشروعية المقصودة؟ من يمنحها ومن يحجبها؟ وعلى أي أساس؟ وبأي سبل، سيما في غياب دور الدولة في هذا المجال؟
يعرّف الاقتصاديون – الاجتماعيون “المشروعية الاجتماعية” بأنها الادراك المشترك لدى مختلف أصحاب المصالح في المجتمع أن مؤسسة معينة تقوم بالنشاطات المطلوبة والمؤاتية والمرغوبة بالنسبة للنظام الاجتماعي المبني على مجموعة معايير وقيم ومعتقدات إجتماعية. ويزداد مؤخرا تسابق المؤسسات على تظهير نفسها مسؤولة إجتماعيا في القضايا التي تهم الناس من حيث الحفاظ على البيئة، المردودية الاقتصادية لمشاريعها، الاستجابة للحاجات الاجتماعية والتركيز على التنمية المستدامة بالمحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة…
أما أصحاب المصالح المؤثرون على المؤسسات والمتأثرون بها فهم: المساهمون، المستثمرون، الموظفون، المستهلكون، الموردون، المنافسون، الإعلام، المؤسسات الرسمية، الجمعيات والمنظمات غير حكومية المتخصصة في الشؤون البيئية والاجتماعية وحقوق الانسان، النقابات المنظمات…
تجدر الإشارة الى أن اكتساب المؤسسة “المشروعية الاجتماعية” يتطلب إدراج معايير المسؤولية الاجتماعية في استراتيجية المؤسسات كاملة، وليس فقط ضمن مشروع محدد من مشاريعها.
أما المؤسسات التي هي الأكثر حاجة لاكتساب “المشروعية الاجتماعية” فهي بشكل أساسي المؤسسات التي تفرض طبيعة عملها خطر التسبّب بتلوّث للبيئة أو استنزاف لمواردها الطبيعية (بعض المصانع، المقالع…) أو تلك التي تحقّق أعلى مستوى أرباح مقارنة بسائر القطاعات في المحيط الذي تعمل فيه (كما هي مثلا حال المصارف في لبنان وقطاع البناء قبل حالة الجمود الحالية) والتي تسعى لإظهار اهتمامها بمشاركة المجتمع بقسم من أرباحها التي تساهم في تحقيقها.
توجد ثلاثة سبل لتبنّي المؤسسة للقيم والمعايير التي تكسبها “المشروعية الاجتماعية” رضائيا او فرضا من قبل المجتمع الذي تعمل فيه:
أولا- العادة: بعض المؤسسات تعتاد بشكل لا إرادي على تبنّي قيم ومبادئ يفرضها عليها مجتمعها والبيئة الحاضنة لأعمالها بغض النظر عن قناعاتها بها.
ثانيا- التقليد: البعض الآخر من المؤسسات تسعى الى تقليد خيارات مؤسسات أخرى أثبتت نجاحها ومصداقيتها في المجتمع واكتسبت فيه “المشروعية الاجتماعية” المرجوة. وبالتالي، تعتمد المؤسسات الأخرى على تقليدها باعتمادها القيم والاجراءات التي اتبعتها دون أن تخاطر وتجرّب خيارات أخرى، فتتبنّى تجارب ناجحة عن وعي وبشكل إرادي أو عن غير وعي وبشكل لا إرادي، فقط طبقا لما يرضي المجتمع.
ثالثا- الامتثال والتبنّي الصادق: الفئة الثالثة من المؤسسات تتمثّل بجملة قيم ومبادئ ومتطلبات العمل المؤسساتي وتتبناها عن قناعة وإرادة تامة فتدرجها في استراتيجيتها وتضع لها آليات التنفيذ اللازمة بغض النظر عمّا يقوم به سواها.
أما الضغوط التي يمارسها المجتمع والبيئة الحاضنة للمؤسسات لمنحها “المشروعية الاجتماعية” المطلوبة لصالح نفسها ولصالحه على حد سواء، فهي من ثلاثة أنواع:
أولا- ضغوط قانونية: من تشريعات وقوانين حقوق وقواعد عمل تلزمها بها وتعاقبها على غيابها وتؤمن لها “مشروعية قانونية”.
ثانيا- ضغوط قيمية: من معايير وقيم وشهادات ومقاييس تسمح بتصنيف المؤسسة دوليا في حال التزامها بها مما يؤمّن لها “مشروعية معنوية”.
ثالثا- ضغوط تقليدية: من ممارسات وإجراءات شكلت أدوات نجاح لمؤسسات أخرى حتى باتت بطاقة اعتماد للعبور نحو “المشروعية الاجتماعية” المضمونة والمجرّبة دون مخاطرة.
وبغض النظر عن الضغوط والقناعات والسبل المعتمدة لاكتساب “المشروعية الاجتماعية”، وفي ظل غياب دور الدولة في تأطير وضمان المسؤولية الاجتماعية، يبقى الرهان على قناعة والتزام الشركات الخاصة من جهة، وعلى إمكانيات المراقبة والمتابعة من قبل المجتمع من جهة أخرى، لأن المشروعية الاجتماعية تتطلب أكثر من جهد لمجرد إكتسابها…إنها تتطلب جهودا مستمرة للمحافظة عليها.