يرى رئيس مجلس النواب نبيه بري انه لم يعد هناك أي مبرر للتأخير في تشكيل الحكومة . لا شك أن الرئيس بري المطلع على كل تفاصيل المراحل التي مرّ بها ملف تشكيل الحكومة، بات يُدرك تماماً ان هذه المراحل وصلت إلى خواتيمها بعدما قدم الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلته إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بناء على ما نص عليه اتفاق الطائف ، وأصبج القرار النهائي في يد رئيس الجمهورية الذي عليه أن يقبل ويصدر مراسيم التأليف أو يرفض ويطلب من الرئيس المكلف ان يتصرف بما تمليه عليه وثيقة الاتفاق الوطني.
ثمة من يرد الموقف الأخير الذي أطلقه رئيس مجلس النواب إلى ما قاله رئيس الجمهورية أمام الجالية اللبنانية التي التقاها أول من أمس في ستراسبورغ ومفاده ان التعثر حتى الآن في التأليف مرده إلى المشكلات الناتجة عن الديمقراطية التي تتطلب توافق الأكثرية على صيغة ما حتى يُبادر رئيس الجمهورية إلى إصدار مرسوم التأليف غير أن مثل هذا التوافق الذي هو من صلب العملية الديمقراطية لم يحصل بعد، فكان أن تأخر تأليف الحكومة ولم يصدر بالتالي مرسوم التأليف.
وبصرف النظر عمّا إذا كان تصريح الرئيس بري في لقاء الأربعاء النيابي جاء رداً على ما صرّح به رئيس الجمهورية في ستراسبورغ أم لم يكن، فإن ثمة إجماعاً بين الأوساط السياسية المتابعة لسير الاتصالات والمشاورات الجارية منذ أكر من ثلاثة أشهر على خط التأليف على ان تتلاقى مع ما أعلنه رئيس المجلس، من أنه ليس هناك أي مبرر للاستمرار في عدم تأليف الحكومة، ما دام الجميع بدءاً من رئيس الجمهورية إلى الرئيس المكلف إلى كل المعنيين بهذه العملية متفق على أن ظروف لبنان الاقتصادية والاجتماعية المتردية واستحقاقاته الداهمة تجاه المجتمع الدولي، تحتم على كل الأطراف تقديم التسهيلات والتنازلات التي من شأنها أن تسرع في تأليف الحكومة بدلاً من التهالك على الاستفادة من هذه الحالة الملّحة لتحقيق المكاسب والحصول على الحصة الأكبر في الحكومة، كما هو واقع الحال الآن، بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر” الذي ما زال رغم التنازلات التي قدمتها “القوات اللبنانية” ان لجهة قبولها بأربع حقائب وزارية بدلاً من خمس وتنازلها عن الوزارة السيادية أو لجهة إعطاء “التيار” الحصة الأكبر من مجموع حصة المسيحيين.
أوساط نيابية تميل إلى أن الرئيس بري كان يرد في تصريحه على رئيس الجمهورية ليحثه على التوقيع على مرسوم التشكيلة الحكومية التي رفعها إليه الرئيس المكلف بعد أن استكمل مشاوراته مع الكتل النيابية كافة ووصل إلى هذه التشكيلة التي يرى فيها الصيغة المطلوبة لتحقيق حكومة الوفاق الوطني كما نص على ذلك اتفاق الطائف، ولا يمكنه بالتالي الرجوع أو تعديل هذه التشكيلة حتى لا يكون هناك خلل في تمثيل القوى السياسية داخل الحكومة، وبذلك يقدم خدمة إلى العهد لكي تقلع حكومته الأولى بقوة وتنجز ما هو مطلوب منها تجاه معالجة الوضع الداخلي من جهة، وتلبية متطلبات المجتمع الدولي من جهة ثانية.
هذه الأوساط نفسها لا ترى أي عذر لرئيس الجمهورية لكي يجمد التشكيلة التي رفعها إليه الرئيس المكلف في مكتبه ويتخذ جانب “التيار الوطني الحر” الذي بات معروفاً لدى الجميع بأنه يعرقل التشكيل لكي يحصل على تنازلات من كل الأطراف تجعله يتمسك بأكثرية الثلثين في الحكومة العتيدة، الأمر الذي لا يُمكن ان يرضى به الرئيس المكلف الذي يعمل منذ أن كلفته الأكثرية النيابية على تشكيل حكومة متوازنة لا تشكّل انتصاراً لفريق على الفريق الآخر، بل يخرج فيها كل الفرقاء منتصرين، وهو ان التشكيلة التي رفعها إلى رئيس الجمهورية تحقق هذا الهدف. كما صرّح هو بعد خروجه من مكتب رئيس الجمهورية في الأسبوع الماضي.
وترى الأوساط السياسية أخيراً ان سبب التأخير في اصدار مرسوم تأليف الحكومة العتيدة ليس مرده إلى ان الرئيس المكلف تجاوز حدود المعايير كما يدعي البعض، بل لأن “التيار الوطني الحر” بدعم من رئيس الجمهورية لا يقبل بأي تشكيلة يعدها الرئيس المكلف الا إذا كانت تتوافق مع معياره الوحيد وهو الحصول على أكثرية الثلثين ، الأمر الذي من شأنه أن يبقي أزمة التأليف قبل المربع الأول وطويلة الأمد بحيث قد تتخطى العام الحالي وربما تطول أكثر من أزمة السنتين والنصف التي سبقت التسوية الرئاسية.