قال رئيس الجمهورية ميشال عون في افتتاح الدورة العادية للبرلمان الاوروبي في ستراسبورغ: “يسرّني أن أكون اليوم في مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، أمام ممثلين تشريعيين لثماني وعشرين دولة، اختارت أن تجعل القارة الأوروبية نموذجاً لا مثيل له في العالم، من التبادل والتكامل والوحدة في كافة المجالات حتى أضحت دول الاتحاد الأوروبي مساحة فريدة تنصهر فيها أحلام الشعوب”.
وإعتبر عون أن “قوة هذا الصرح الديمقراطي تكمن ببناء السلام الحقيقي وانتفاء نزعة الحرب لحل المشاكل واقتناع مجموعة كبيرة من الدول والشعوب بأن قوتها ومصالحها وازدهارها هي في وحدتها لا في النزاع بينها وفي مشاركتها قيم الديمقراطية ومن المؤسف ما نشهده من ظهور بعض النزعات الانفصالية التي تهدد هذا الصرح”، مشيرا الى أن “في هذه المرحلة من تاريخنا، التي خفت فيها صوت الانسانية وتخطت مصالح الدول الكبرى أقصى الحدود على حساب العدالة والتضامن الانساني، لا نجد إلا في الحوار والاحترام المتبادل والعودة إلى تطبيق المبادئ العالمية لحقوق الانسان والمجموعات والدول سبيلا إلى تبريد محركات العنف والحروب والتطرف”.
وتابع “الحروب، وإن يكن الاقتصاد محركها الحقيقي إلا أنها لا يمكن أن تندلع على أرضية صلبة؛ هي تحتاج لأرضية متفسخة متخلخلة جاهزة لتقبّل الاشتعال، وليس هناك أفضل من إذكاء نزعة التعصب والتطرف المذهبي والطائفي والعرقي ورفض الآخر لإحداث التفسخ المطلوب وتحفيز الشعوب وإشعال الحروب”، موضحا أن “ما يحيط بنا اليوم، يجعلنا أكثر تمسّكاً بالأسس التي نشأت عليها دولة لبنان، وعلى رأسها النظام الديمقراطي الذي وعلى الرغم من بعض الشوائب التي لا زالت تعتريه، قد التقت حوله مكونات الشعب اللبناني، وعكس في جوهره رسالة لبنان، بلداً للتعايش والتنوع والغنى الحضاري والثقافي”.
ولفت الى أن “انقسم لبنان سياسياً في الآونة الأخيرة بسبب حروب الجوار ولكنه لم ينقسم وطنياً، ارتفعت الأصوات فيه عاليةً ولكنه لم ينحرف نحو العنف وكان الخطاب لاهباً ولكن لهيبه لم يشعل النار، وعندما شذّ البعض وجنحوا نحو التطرف والفكر التكفيري سرعان ما لفظهم مجتمعهم وبيئتهم”، معتبرا أن “المجتمع اللبناني بطبيعته ليس بيئةً حاضنة للتطرّف ورفض الآخر، واحترام حرية المعتقد والتعبير والرأي وحق الاختلاف هي جزء من ثقافة اللبنانيين”.
وأضاف “المجتمع اللبناني بطبيعته ليس بيئةً حاضنة للتطرّف ورفض الآخر، واحترام حرية المعتقد والتعبير والرأي وحق الاختلاف هي جزء من ثقافة اللبنانيين”، موضحا أن “هذه الخصوصية اللبنانية تساعد لبنان على تخطي مشاكله وعلى ترسيخ سلامه واستقراره، كما تلهم دولاً أخرى معالم الدرب إلى مستقبل أكثر انسجاماً مع العصر وحقوق الانسان، خصوصاً اذا ما نجحنا في ازالة الشوائب وبلوغ النضج الديمقراطي”.
واضاف: ” شهد لبنان إجراء انتخابات نيابية على الرغم من بعض التجاذبات السياسية الحادة التي أخَّرت حصولها وذلك وفق قانون حديث يرتكز على التمثيل النسبي للمرة الأولى بتاريخ لبنان وأفضى إلى تمثيل أكثر دقة وتوازنا من القانون الأكثري لكافة القوى والى تنوع أكبر بمجلس النواب يعزز الحياة الديمقراطية”، مؤكدا أنه ” لا بد من التنويه بالعمل الذي قامت به بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات برئاسة ايلينا فالنسيانو التي رافقت مراحل الإعداد للانتخابات وعمليات الاقتراع وقدّمت في تموز تقريرها الذي عكس انطباعا إيجابياً عن العملية الانتخابية، مقترحاَ عدداً من التوصيات والتي ستؤخذ بعين الاعتبار”، مشددا على أننا ” نتطلع في المرحلة المقبلة إلى تعزيز أطر التعاون بين مجلسنا النيابي والبرلمان الأوروبي وتكثيف اللقاءات المشتركة وتبادل الخبرات للارتقاء بالأداء التشريعي تناغماً مع متطلبات العصر والتطور”.
واكد أن ” لدى وطننا الكثير من التحديات التي تواجهه وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وقد أطلقنا في الفترة الأخيرة الخطوط العريضة لخطة اقتصادية ترسم خارطة الطريق لتفعيل القطاعات الانتاجية وتحديث البنية التحتية، وقد جاءت هذه الخطة متناغمة مع مقررات مؤتمر “سيدر”، مضيفا: ” وضعتُ على رأس أولوياتي مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمحاسبة، وبدأنا بالفعل بتحقيق بعض الخطوات الإيجابية على هذا الصعيد لكن العمل الأساسي سينطلق مع الحكومة الجديدة التي تقع على عاتقها مسؤولية تطبيق خطة النهوض الاقتصادي ومقررات مؤتمر “سيدر” لإرساء الاستقرار والازدهار في البلاد”، مشددا على أن “لبنان تحمل عبء أزمات المحيط، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وتسلل الإرهاب الى جروده جاعلا منها منطلقاً لعملياته الدموية في الداخل اللبناني إلى أن قام جيشنا بعملية عسكرية نوعية دحر خلالها الإرهابيين وتابع مع الأجهزة الأمنية استئصال الخلايا الإرهابية النائمة حتى تم القضاء عليها نهائياً”، مشددا على أن “النزوح السوري يبقى من أكثر تداعيات الحروب ثقلاً علينا، اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً؛ فمن باب التضامن الإنساني استقبل لبنان أكثر من مليون ونصف نازح فرّوا من جحيم الحرب. لكن في بلد صغير المساحة، كثيف السكان، محدود الموارد لا بد أن تدركوا بسهولة مدى العبء الذي نتحمله”، داعيا الى ” قرارات الدعم المادي التي اتخذت خصوصا في مؤتمر بروكسيل برغم تحفظنا على بعض ما جاء في بيانه الختامي والمتعلق خصوصاً بمسألة العودة الطوعية للنازحين وربطها بالحل السياسي وانخراطهم في سوق العمل في الدول التي نزحوا اليها”.
ورأى أن ” إن العالم بأكمله اليوم يعاني من نتائج مختبرات الواقعية السياسية ومن عدم التعاطي في حينه بجدية مع الإشارات المنذرة بالخطر. أضف الى ذلك، إن السياسات الدولية التي لا تزال معتمدة في الشرق الأوسط تزيد النقمة وترفع منسوب التطرف وتفسح المجال واسعاً للعنف والإرهاب”، مضيفا: ” لا شك أن هذه السياسات الخالية من مقياس العدالة تؤدي الى التشكيك بصحة تطبيق الديمقراطية في الدول التي تعتبر رائدة في اعتمادها إياها نظاماً سياسياً. فهل تحتمل الديمقراطية الحفاظ على حقوق الإنسان في الداخل ونحر هذه الحقوق خارج الحدود تحقيقاً لمصالح دول كبرى؟”، مؤكدا أن ” من نتائج هذه السياسة أنها دفعت بإسرائيل الى تهويد القدس وإعلانها عاصمة لها ضاربةً عرض الحائط بالقرارات الدولية وبالتصويت في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة وهي لم تكتفِ بذلك، بل أقرّت قانون “القومية اليهودية لدولة اسرائيل”.
وشدد على أن “اتى القرار الأميركي الذي اتُخذ مؤخراً بحجب التمويل عن وكالة الأونروا استكمالاً للقانون، وهو بداية لفرض التوطين على الدول المضيفة للاجئين ومنهم لبنان الذي يحظّر دستوره التوطين والتجزئة والتقسيم وهو يرفض هذا الواقع أيضاً من أجل العدالة والمساواة بين البشر”، مضيفا: ” جئت اليكم من لبنان البلد الرسالة بحسب ما وصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، حاملاً إيماني برسالة وطن يختزن حضارة عميقة تمتد على خمسة آلاف سنة سمحت بأبعادها المتعددة لأبنائه المنتشرين في كل اصقاع الأرض أن يندمجوا مع مختلف الثقافات أينما حلّوا”.