عشية استعادة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان “حضورها” في المشهد السياسي مع انطلاق مرحلة المرافعات الختامية في قضية اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في لاهاي توطئةً لصدور الأحكام (في 2019)، استمرّت بيروت في “عيْن” المأزق الناجم عن تَعثُّر تشكيل الحكومة.
وفيما توجّه الرئيس المكلف سعد الحريري الى لاهاي لمتابعة بدء المسار الختامي لمحاكمة المتّهَمين الأربعة من “حزب الله”، ملأتْ “الوقتَ الطائرَ” مع مغادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى ستراسبورغ حيث بدأ زيارة للبرلمان الأوروبي مواقفُ بارزة عكستْ ان لبنان ما زال يسير على “حبل مشدود” في الملف الحكومي.
فالرئيس عون أكد تَمسُّكه بمعاييره للحكومة الجديدة على قاعدة “لا يجوز لأيّ فئةٍ او طائفةٍ احتكار التمثيل او تهميش فئةٍ لمصلحةِ أخرى أو إقصاء أحد”، منتقداً التلهّي بمسألةِ الصلاحيات “فالدستورَ ينصّ على الشراكةِ بين الرئاستيْن الأولى والثالثة في التأليف ولا مجال للاجتهاد بوجود النص”.
وحول نيته توجيه رسالة الى البرلمان هذا الشهر لحضّ الحريري على تشكيل الحكومة، قال: “يمكن ذلك، وهذا حق دستوري”.
وفي موازاة ذلك أطلق مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في رسالة حلول رأس السنة الهجرية موقفاً داعماً للحريري معلناً “اننا في أزمة كبرى (…)”، ومؤكداً “التعاند لا يفيد، ولا الإصرار الحقيقي أو الموهوم على الصلاحيات”.
وفي ردٍّ ضمني على “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، انتَقَدَ “تَحدُّث أناس عن تغيير الموقع الاستراتيجي للبنان، فيما يدعو آخرون إلى مشرقيةٍ لا ندري معناها”، مضيفاً: “عندنا وثيقة وفاق وطني، وعندنا دستور. ولسنا غنَماً أو هملا ليتصرّف هذا أو ذاك بهويتنا وانتمائنا”.
أما المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان، فوجّه إشارة لافتة الى عون حين دعاه “وهو أب جميع اللبنانيين أن يتنازل عن حصته الوزارية لأولاده المشاغبين لقطع الطريق أمام كل مَن يتآمر على لبنان”.
ولم تحجب هذه “الضوضاء” الأضواء عن المسار الختامي للمحاكمة في قضية اغتيال الرئيس الحريري الذي ينطلق اليوم حيث يباشر فريق الادعاء تقديم الحجج الختامية التي تضاف إلى المذكرات الختامية التي تتضمّن ملخصاً عن الأدلّة التي تقدم بها كل من الأفرقاء (خلال فترة المحاكمة).
وبعد ان يُنهي الادعاء مرافعته الختامية، يتقدّم فريق المتضررين ثم فريق الدفاع عن المتَهمين الذين يحاكَمون غيابياً بمرافعاتهم قبل أن يُعلن ختم جلسات المحاكمة وبدء مرحلة المذاكرة التي قد تستمرّ أسابيع أو أشهراً يتولى خلالها القضاة فحص جميع الأدلة وفق المعيار الأعلى وهو beyond reasonable doubt أي ألا يرقى إليها شكٌّ معقول، فإما يصار إلى الاقتناع بالإدانة وإما عدم الإدانة، وبعدها يتم صوغ الحكم ثم النطق به قبل أن تُعقد جلسة لتحديد العقوبة (بحال الإدانة). علماً أن الادانة أو عدمها قابلان للاستئناف امام الغرفة المختصة في المحكمة خلال مهلة 30 يوماً.
وتؤكد الناطقة الرسمية باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وجد رمضان لـ”الراي” ان المرافعات الختامية يمكن ان تستمرّ لما بعد 21 الجاري او تنتهي قبله بقليل “بحسب ما تقتضيه مجريات الجلسات والأسئلة التي قد تُطرح على كل من الادعاء ووكلاء المتضررين وفريق الدفاع”، لافتة الى ان ما ستشْهده غرفة الدرجة الأولى ابتداء من الثلثاء هو عملياً “الفرصة الأخيرة” لكل من الفرقاء الثلاثة ليعاودوا عرْض قضيتهم استناداً الى الأدلة التي سبق أن قُبلتْ طوال فترة المحاكمة، وذلك بما يُقْنِع المحكمة إما بالأخذ بقرار الاتهام، بالنسبة الى فريق الإدعاء، وتالياً إدانة المتّهَمين، وإما بالشكوك او الأدلة المضادّة من وكلاء الدفاع، لعدم الإدانة.
واذ تشير رمضان الى أن قواعد عمل المحكمة لا تتيح تقديم أدلة جديدة في جلسات المرافعة الختامية لأن قبول الأدلة يخضع لآليات طعن لم تعد متوافرة في هذه المرحلة من المحاكمة، تؤكد ان المحكمة تعتمد معيار “المسؤولية الجنائية الفردية”، أي أنها لا تقوم بملاحقة كيان او حزب او مجموعة قضائياً، موضحة ان هذه المسؤولية في قضية “عياش وآخرين”، بحال جرتْ الإدانة، تبقى محدّدة بالمتهمين الأربعة سليم جميل عياش، حسن حبيب مرعي، حسين حسن عنيسي وأسد حسين صبرا بعدما أُسقطت الملاحقة عن المتهَم الرئيسي مصطفى بدر الدين الذي قضى في سوريا.
وكان فريق الادعاء رَسَم عبر المذكرة الخطية التي سبق ان أوْدعها غرفة الدرجة الأولى، وفيها ملخص مضمون الأدلة والمرافعات السابقة، المسرح السياسي – العملاني لجريمة 14 شباط 2005، مؤكداً العلاقة بين المتهَمين وحزب الله بإقرار أمينه العام السيد حسن نصر الله، ولافتاً الى “ان الشبكة الخضراء (الاتصالات) التي استخدمها بدر الدين هي شبكة سرية يستخدمها حزب الله”، رابطاً الجريمة بالأحداث السياسية التي سبقتها، ومعارضة الرئيس الحريري الهيمنة السورية على لبنان، وكيف كان من مصلحة حزب الله حليف سورية الحفاظ على الـ”ستاتيكو” الذي كان قائماً وقتها.