الشراكة السياسية بين فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وفريقه، كانت مثالية في السنتين الماضيتين، وهي أنتجت مصالح كبيرة مشتركة للفريقين، رغم تعرضها للانتقاد، ورغم امتعاض حلفاء الفريقين من هذه الشراكة.
حتى ان جمهور الفريق الثاني لم يستسغ التحالف الذي حصل في الإنتخابات النيابية بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” في بعض الدوائر، وقبل هذا التعاون على مضض.
هذه الشراكة السياسية بين الفريقين ربما كانت مثالية في المراعاة المتبادلة، ولكنها كانت في منتهى الإزعاج لحلفاء الرئيس سعد الحريري الذين ذاقوا مرارة هذا التعاون في أكثر من محطة، وكادوا يكفرون بالزواج السياسي الذي كان قائما بينهم وبين رئيس الحكومة على خلفية اعتماد الحريري سياسة مراعاة مبالغ فيها تجاه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ، كان آخرها مرسوم التجنيس الذي فاحت منه رائحة فضحية سياسية، دفعت بـ”القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” الى تقديم طعن بالمرسوم امام مجلس شورى الدولة.
هذه الشراكة السياسية بين ركني السلطة التنفيذية، مهددة باعتبارات دستورية لا يستطيع رئيس الحكومة تجاهلها، لأنها تمس بصلاحيات رئاسة الحكومة وبمكانة الرئيس.
ويحاول فريق رئيس الجمهورية ممارسة ضغوطات كبيرة لتشكيل حكومة العهد الأولى بالفعل هذه المرة، على اعتبار ان حكومة تصريف الأعمال الحالية جاءت من رحم مجلس نيابي تغلب عليه قوى معارضة له، رغم ان نتائج الإنتخابات النيابية لم ترض فريق رئيس الجمهورية الذي كان يراهن على هزيمة “الحزب التقدمي الإشتراكي” و”القوات اللبنانية”، وهذا ما لم يحصل.
يحاول فريق رئيس الجمهورية الالتفاف على نتائج الإنتخابات من خلال ابتكار بعض الصلاحيات الدستورية، وهذا بطبيعة الحال يخلق اشكالية نظام لا يتحمل التساهل فيها رئيس الحكومة المكلف.
رغم ان جميع القوى السياسية متفقة على مكانة رئيس الجمهورية وصلاحياته، ولا تريد التقليل من شأنها، لا من قريب ولا من بعيد، ولكن ابتداع فريق الرئيس لعبارات غريبة لها تفسيرات تأسيسية مخالفة لقواعد الدستور، لا يتحملها الوضع العام في البلاد.
مثل عبارة “المحددات التي وضعها الرئيس لتشكيل الحكومة” وهذه بطبيعة الحال تهدد كل التفاهمات، وتطول مفهوم الشراكة الوطنية، والشراكة السياسية التحالفية بكاملها، لأن دور رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة من خلال التفاهم مع الرئيس المكلف شيء، ووضع محددات بمفرده لكيفية هذا التشكيل شيء آخر.
ومما يهدد الشراكة ايضا، ضغط فريق رئيس الجمهورية لتحجيم تمثيل “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” في الحكومة ـ وهما حلفاء للرئيس الحريري ـ بينما يحاول الفريق ذاته توزير بعض النواب المنفردين الذين يدورون في فلك “التيار الوطني الحر” على حساب حصة حلفاء رئيس الحكومة، بحجة عدم احتكار تمثيل الطوائف، كأن تمثيل الطوائف لا يتوقف على نتائج الانتخابات.
علما ان هناك نوابا كثر نجحوا بمفردهم من مختلف الطوائف ولم يطالب أحد بتوزيرهم.
وما يساعد على تهديد الشراكة الوطنية بعض التحليلات الغريبة من فريق مقرب من رئيس الجمهورية، وهؤلاء يتحدثون عن ضغوطات خارجية على الرئيس المكلف، وهذا بطبيعة الحال غير صحيح، فالضغوطات الخارجية بدت واضحة انها تأتي من مكان آخر بهدف تطويق الرئيس الحريري .