عشية سفر رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى لاهاي لحضور انطلاق جلسات مرافعات محامي الإدعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تكثر السيناريوهات حول الحكم المرتقب الذي سيصدر في وقت ليس ببعيد وتداعياته على المشهد الداخلي المأزوم أصلاً. وفي هذا المجال، اعتبر وزير العدل السابق البروفسور ابراهيم نجار، أن بدء المرافعات هو مؤشّر على اقتراب موعد الحكم دون أي شك، باعتبار أن الكلمة الأخيرة هي دائماً للدفاع، وبالتالي، بعد ذلك، ستؤجّل القضية للمذاكرة ولإصدار الحكم، ومن المرجّح أن يصدر الحكم بعد فترة، لأنه يستوجب صياغة وتوثيق وتثبيت وتعليل وشواهد وشرح قانوني.
وبالتالي، وعلى صعيد المهلة اللازمة لإصدار الحكم، فأوضح أنها قد لا تقلّ عن شهرين أو ثلاثة أشهر، مستبعداً صدور أي حكم ابتدائي قبل أواخر هذا العام. وأوضح أنه من الناحية النظرية، من الممكن أن يصدر الحكم نهائياً، أي يُحسم النزاع ويبتّ النقاط المعروضة على المحكمة الإبتدائية، كما أنه أيضاً من الممكن أن تصدر قرارات إعدادية ممهّدة لصدور الحكم النهائي، ولكن عندما نقول نهائي، فهذا لا يعني أن الحكم مبرم، فالحكم الإبتدائي النهائي يبقى خاضعاً للطعن أمام محكمة الإستئناف.
وعما يُنتظر من هذا الحكم، أكد نجار، أنه من البديهي أن هذه المحاكمة كانت إلى حدّ كبير فريدة من نوعها، لأنها جمعت بين أصول المحاكمات “الأنكلوسكسونية” وبعض المبادئ المطبّقة في النظام اللاتيني أو «الرومانولاتيني»، هذه المحاكمة أتاحت للعلم الجنائي ولأصول المحاكمات الجنائية والجزائية تطبيق أصول جديدة كلياً، ولكن من حيث المبدأ، أعتقد بأن المطلوب اليوم هو إعلان الحقيقة.
وعن توصيفه للحكم الذي سيصدر، قال نجار، أنا أعلم أن الكثيرين ينتظرون صدور قرار زجري يطلب مثلاً من الحكومة اللبنانية إلقاء القبض على هذا وذاك، ولكن إذا نظرنا إلى مسار هذه المحاكمة، نجد أن الحكومة اللبنانية لم تستطع حتى الآن الإستجابة لمطالب المحكمة الدولية، وبالتالي، قد يكون من المبالَغ فيه أن ننتظر فقرة حكمية واحدة زجرية يمكن تطبيقها، وأكثر ما يمكن أن ننتظره من هذه المحاكمة هو تفصيل كيفية حصول عملية الإغتيال، بل الإغتيالات المتعدّدة، والمتلازمة مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وكيفية حصولها، ومن هم الضالعون في تنفيذها، ومن هم الذين حرّضوا على هذه الجريمة، ومن هي الجهة التي كانت تقف وراءها.
وفي هذا السياق، اعتبر البروفسور نجار، أن الظن بأن هكذا حكم سيحدّد أن هذه الدولة أو هذا الحزب قد خطّطا لهذا الإغتيال ليس واقعياً لأن المحكمة لا تستطيع محاكمة نظام أو دولة بعدما خضع تشكيلها لبعض التعديلات في مجلس الأمن من قبل روسيا. لذلك، لن يكون من جديد في الأحكام المرتقبة سوى الإفصاح والدلالة على كيفية اقتراف هذه الجرائم، وعلى هوية المتدخلين والفاعلين والمحرّضين، ولكن ليس أكثر من ذلك.
أما بالنسبة لسلطة قرارات المحكمة، يشير نجار، إلى أنه لا سلطة للمحكمة الخاصة بلبنان على محاكمة الدولة اللبنانية، كما أنه لا يمكن للمحكمة، أو أي قرار صادر عنها، أن يلزم لبنان بغرامة إكراهية في حال عدم التنفيذ، كما أنه لا يمكن لأي حكم أن يلزم الدولة اللبنانية بأي أمر آخر، لأن الدولة ليست طرفاً في المحاكمة، وهذه أمور بديهية يجب أن نأخذها في الإعتبار. فالمحكمة قد تسمي المنفّذين، وتفصّل إجراء الجريمة وقد ينطلق الحكم من بعض القرائن، أي الأسباب غير المباشرة، للقول أن مجموعة هذه القرائن تنهض مجتمعة للدلالة على أن هذا اقترف هذا الجرم، ولكن يبقى أن هناك مسافة كبيرة بين الإثبات المباشر والإثبات غير المباشر. هذا ضعف بنيوي في هذه المحاكمة التي تجري في هولندا.
وحول التوقعات عن الوقت الذي يتطلّبه صدور قرار استئناف الحكم الإبتدائي، لفت إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان أنشئت في آذار العام 2009، وقد حَمّلت الملفات الموجودة في لبنان، وهي مئات من الكيلوغرامات عبر البريد السريع إلى لاهاي، وعَقَدتُ مؤتمراً صحافياً، أعلنت فيه تنازل لبنان عن صلاحيته لمصلحة المحكمة الخاصة بلبنان، ولكن ذلك كان بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة وفق الفصل السابع، أي أنه قرار إلزامي لا يمكن لأحد أن يتنصّل من تنفيذه. فالحكم النهائي لن يكون مبرماً، وسيتم الذهاب إلى الإستئناف لتقرّر المحكمة تصديق الحكم الإبتدائي، ويصبح القرار الإستئنافي مبرماً، وإلا تفسخ الحكم، ولكن هذا الأمر يتطلّب عاماً كاملاً.