إحراق أوراق المشروع الإيراني في البصرة

إحراق أوراق المشروع الإيراني في البصرة
إحراق أوراق المشروع الإيراني في البصرة

حامد الكيلاني - العرب اللندنية:

السفير الإيراني المقيم في بغداد إيرج مسجدي يطالب حكومة العراق بالاحتجاج بشدة على العقوبات الأميركية المفروضة على بلاده؛ والسفير أو المندوب السامي الإيراني غير المقيم في بغداد يتجول بمهمات سياسية وعسكرية وتنسيقية وإدارية بالإشراف على سير عمليات الحرس الثوري في العراق وسوريا، أو ليتابع، عن قرب، أنشطة ميليشياته في دول أخرى.

وجميع هذه الميليشيات لم تسعفه في إخفاء أعراض الشلل الرعاشي، بعد تجدد العقوبات إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، حيث بدت قبضة النظام تعاني من فقدان للأعصاب واختلاط في السلوك والتصريحات والمواقف والإجراءات، في توقيت حرج ومضغوط ومكشوف جداً للمواطن في إيران.

مزدوجو العمالة والخيانة من عملاء ملالي طهران يعترفون، بفخر، أثناء عرضهم لسيرهم الفكرية والنضالية، بعدم انسجامهم مع الثقافة والفنون والآداب المترسخة كتقاليد حياة في مدن العراق ومنها المدن الكبرى، كالعاصمة بغداد والموصل والبصرة، بل إن بعضهم يستذكر مساهماته متطوعاً في التخريب وحرق المؤسسات في زمن الاستقرار والسلم أو في زمن الحرب.

هذه النماذج في أعماقها تلتقي مع تنظيم داعش ومع أي تنظيم إرهابي كتنظيم دولة الفقيه في إيران؛ وانتماؤها صرف غير مشكوك به والتزامها مبدئي بثوابت محاربة الأعراف الحضارية للمجتمع الناهض بقوة في منتصف السبعينات من القرن الماضي، حيث حملات محو الأمية بين الفلاحين وفي قراهم أو بين العمال في مصانعهم، أو في متابعة وإلحاق ربات البيوت من النساء بالمدارس دون الالتفات إلى أعمارهن.

في وحدتي العسكرية وأثناء ضراوة الحرب مع إيران كنت قريباً من تلك الحملة لتعليم الجنود مبادئ القراءة والكتابة ضمن منهج المرحلة الابتدائية، والتي ساعدت آلاف المتلهفين من الذين فاتتهم فرصة الالتحاق بالمدارس لنيل الشهادات وتكملة تحصيلهم، وبعضهم أكمل دراساته العليا فيما بعد، أو تدرج في مجال عمله، ومن كان متطوعاً في الجيش انتقل إلى رتب أعلى وأصبح ضابطاً في خدمة المؤسسة العسكرية للعراق.

فترة النهوض، كان فيها حكام عراق ما بعد الاحتلال من أكثر المستفيدين من مجانية التحصيل العلمي حتى في الجامعات، ومنهم من تم ابتعاثه إلى الخارج على نفقة الدولة لإكمال دراسته، مع مراحل التدريب في مراكز هندسية وطبية وتكنولوجية متقدمة؛ كان بعض هؤلاء من بين أدوات المستقبل لإنجاز طفرة عراقية في التنمية.

لكن علامات التراجع برزت في العراق مع مجيء الخميني للسلطة في طهران، وبدء تصدير المشروع الطائفي للثورة الإيرانية الذي وضع يده على تلك الزمرة من الذين أغدق عليهم العراق ثرواته وخيراته وتاريخه، وأيضاً رغبته في تأسيس نواة لدولة حقيقية تضيء على ما لأمتنا العربية من طاقات كامنة ودور حضاري إنساني.

تلك الحفنة مجبولة على الجهل والتجاهل رغم ما تحصلت عليه من فرص للدراسة والسفر والعيش الكريم، لأنها أثبتت تمسكها بنتاجها في مراحل قصر النظر الشديد بخيانة الوطن تحت مفاهيم الولاء للمرجع أو العقيدة، والتي تجسدت بالمحاصصة الطائفية أثناء استلامهم للسلطة بعد الاحتلال.

مصيبة حكام العراق اليوم وأحزابهم وميليشياتهم هي في تجاوز الحدود الوطنية واستثمارها في “خيانة مشروعة” لضرب العراق والأمة، وأحياناً الضرب ببعض المراجع الدينية العراقية أو حتى جميعهم، حسب الحاجة، عرض الحائط أو توريطهم بمهمات خارجية على حساب هيبتهم ومكانتهم بين الملايين من مقلديهم، بما تسبب في انخفاض مناسيب الولاء الحاسمة لهم، من خلال التظاهرات، عند شباب لا يمكن بعد الآن خداعه بطقوس أو إرشادات دينية للمزيد من الصبر الاستراتيجي على حكم الطائفة.

ثورة البصرة، ثورة ملل على بصرة بلا حياة وبلا عمل أو تخطيط. مدينة تصبّ فيها كل مياه العراق وتصب فيه النفط والثروات؛ البصرة يراد لها أن تكون إيرانية في مصيرها وثرواتها؛ هل قررت إيران ضمها نهائياً إلى عبادان والمحمرة، ولو من الباطن، بالاتفاق مع عملائها مقابل رفع اليد عن ممنوعات استلام السلطة أو تسامح ميليشيات حرسها الثوري في تقبل الانتقال الديمقراطي السلمي في الدورة البرلمانية، وتشكيل الكتلة الأكبر على مقاسات المنافع والتراضي الطائفي والمصالح الإيرانية في مرحلة العقوبات.

الهرولة نحو إلقاء موعظة التقصير في الأداء الحكومي بإطلاق الأموال والتخصيصات لإدارة المشاريع المائية والخدمية وإيجاد المعالجات اللاهثة “لقمع الاحتجاجات” هي إرادة إيرانية وتلاعب بالأزمات ومصائب شعبنا، وتحويل معاناته إلى تكتيك سياسي في قبضة الولي الفقيه، المرتعشة في طهران. تكتيك تستخدمه في الإرهاب والاقتصاد والسياسة لتمكين أدواتها بطلائهم حسب الرغبة إلى حين ميسرة.

الاحتلال ليس تقصيراً في الخدمات وأداء الموظفين والإداريين، ومصيبة العراق أنه ابتلي باحتلاليْن وحاله يشبه ما تعرض له الأسير العراقي من شد لذراعيه في عجلتين عسكريتين إيرانيتين، تحركت كل منهما باتجاه لتنتزع منه الحياة بانتقام ووحشية أثناء حرب الثمانينات.

الاحتلال فكرة استعباد وتبعية مطلقة، لن ينجو معها العملاء بمناقلة مبرراتهم أو غضبهم أو ما يعتصر قلب نوري المالكي من ألم على البصرة، وربما على الموصل الحدباء التي لم تعد تنفعهم بعد في تمرير كراهيتهم وأهداف مشروعهم الإيراني.

هل تقرر تهجير سكان البصرة مع تهريب المخدرات واستغلال النفط وتحويل الموارد المائية في الروافد إلى الداخل الإيراني؟ لماذا الإصرار الإيراني على تقريع سلطتهم في العراق على تراجع منسوب المياه في حوض الأهوار المشترك؟ ماذا وراء تصاعد المطالبة بتعويضات الحرب وربطها بالخسائر البيئية؟

ولماذا لم يطالب أي زعيم ميليشيا أو حزب، من الذين أُحرقت مقراتهم، النظام الإيراني بإعادة الجريان الطبيعي ولو لنهر واحد إلى شط العرب لدفع اللسان الملحي الذي فشلت حكومات حزب الدعوة في إيجاد حل يمكن أن يوفره بناء سد في مقتربات المياه العذبة لمنع اختلاط المياه المالحة بمياه شط العرب، واعتبار حوض النهر بأعماقه وامتداداته حوضاً للخزن وبيئة صالحة لإعادة الثروات السمكية إليه، وهو ما تطالب به تركيا في مباحثاتها مع الجانب العراقي لتقليل نسبة هدر المياه العذبة في الخليج، كأحد تبريراتها لقلة الإطلاقات المائية.

المعالجات الفنية ممكنة وعملية، والخبرات العالمية المختصة لا تبخل بدراسات معمقة وحلول فنية تبادلية بين احتجاز المياه ومنع اختلاطها مع المياه المالحة، إضافة إلى إطلاق الفائض أو ربطه بروافد طبيعية أو صناعية داخل العراق.

حرب الميليشيات في البرلمان للاستحواذ على السلطة، والتهديدات المتقابلة لإنصاف أهل البصرة أو إسقاط الحكومة التالية خلال أشهر؛ لن تمنع الحقائق من أن تحفر مجرى لها تصفع به كل من يندد بالميليشيات ودورها، في حين كان هو من يحميها أو يلتف على حماية جزء منها ومازال، لأن الميليشيات لم تولد بقرار عراقي، فالولادة إيرانية ومن تعهدها هو الولي الفقيه بالتربية والرعاية والتمويل. بعد خراب العراق، أليس من حق الشعب أن يطالب بإسقاط العملية السياسية بعد بيع أشلاء المدن العراقية كما تباع المناصب والمقاعد في السوق السوداء؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بوريل: لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة لبنانية