ليلة جديدة من العنف والاحتجاجات عاشتها مدينة البصرة الحدودية مع إيران ليل الخميس الجمعة، حيث خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع للتنديد بظروف معيشتهم الصعبة وانتقاد "التبعية السياسية العراقية" لنظام خامنئي، رافعين شعارات مناهضة لإيران أبرزها " إيران برا برا، البصرة حرة حرة".
وصب المتظاهرون غضبهم على مقرات الأحزاب والمليشيات الموالية لنظام "الملالي" في إيران، كحزب الدعوة ومليشيات "عصائب أهل الحق" و"حزب الله العراقي" ومقر منظمة "بدر" ومقر "المجلس الإسلامي الأعلى" حيث أحرقوا المكاتب ودمروا كل ما كان يتواجد بالداخل.
ونشرت قناة "رووداو" الإخبارية الكردية مقطعا لشريط فيديو يظهر شابا عراقيا يشارك في الاحتجاجات أمام القنصلية الإيرانية بالبصرة، معبرا عن غضبه العميق إزاء ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية في مدينته خصوصا وفي العراق بشكل عام، ومنددا "بتبعية" بعض الشخصيات العراقية "لبلدان مجاورة وإسلامية"، ويقصد بذلك إيران.
"أعطونا دولة أخرى ونترك لكم العراق"
وقال الناشط البصراوي بغضب واستياء: "كلا كلا للأحزاب...نريد دولة مستقلة خارجة عن أي تحزب. والله ملينا" وواصل:" مرة، قال لي شاب إيراني، الدولة الإيرانية تقدم لي شهريا 50 تومان. وعندما سألته من أين تأتيك هذه المنحة، أجاب من نفط البصرة".
وأضاف:"الإيرانيون يقولون إنهم دولة إسلامية لكنهم يقطعون علينا مياه الشرب والكهرباء. للأسف نحن لا زلنا في عصر العبودية لأننا نمشي وراء الفتاوى. أعطونا دولة أخرى ونترك لكم العراق".
وتعتبر البصرة من أغنى المدن العراقية حيث تنتج ما يقارب حوالي 93 بالمائة من إيرادات النفط العراقية. كما تعد المعبر البحري الوحيد للعراق ومعظم المواد الغذائية والمنتجات الصناعية تأتي عبر ميناء أم قصر.
كما تتقاسم أيضا إلى حدود برية مع إيران حيث يمر كل سنة مئات الآلاف من الزوار الإيرانيين والعراقيين الشيعة الذين يقومون بزيارات دينية سواء إلى مدينة قم ومشهد الإيرانيتين أو إلى النجف الأشرف ومدن عراقية أخرى تحتضن مراقد شيعية.
"وعود كاذبة وتنمية شبه منعدمة" في البصرة
ويرى المحلل السياسي وسفير العراق في فرنسا السابق محمد غازي فيصل أن ما يحدث في مدينة البصرة، عينة صغيرة لما يحدث في كل العراق الذي انحنى " أمام الفساد المالي" و"الوعود الكاذبة" للسياسيين العراقي.
وقال في حوار هاتفي مع موقع فرانس24: "لقد سبق أن عاشت البصرة في 2015 انتفاضة شعبية. هناك غضب من سياسة العبادي ووعوده الكاذبة ومن أداء المليشيات"، مضيفا: "التنمية شبه معدومة منذ 2003 وهناك فساد مالي وتهديم للبنية التحتية في هذه المدينة التي تقدم حوالي 93 بالمائة من نفط العراق. ابن البصرة لا يجد مياه يشربها". وإيران تغلق منابع المياه التي تصل إلى العراق بالرغم من انها مياه مشتركة. كما قامت أيضا بقطع الكهرباء على السكان ".
وأكد هذا المحلل السياسي أن السياسة التي اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة هي التي أدت إلى تدهور أوضاع "البصراويين والعراقيين على حد سواء وذلك، رغم جني العراق أموالا باهظة قدرت بـ 850 مليار دولار ما بين 2003 و2016".
وواصل في حديثه مع فرانس24 "التنمية شيء معدوم منذ 2003. المشاريع لم تنجز والأموال ذهبت إلى شركات وهمية وجيوب لا نعلم بها. هناك 3 ملايين شخص يعيشون في أماكن عشوائية"، مؤكدا أن "إيران دمرت العراق ولبنان وسوريا وغلقت معبر "الشلامجة" المؤدي إلى العراق".
العراق دون حكومة منذ أشهر
وإلى ذلك، لقي عشرة أشخاص مصرعهم منذ بدء الاحتجاجات في البصرة حسب وسائل إعلام محلية بسبب تدخل قوات الأمن التي اتهمت من قبل مقتدى الصدر بـ "الاستعمال المفرط للقوة".
كما تأتي هذه الموجة من الغضب في وقت يشهد العراق فيه فراغا سياسيا كبيرا بسبب عدم تمكن بعض الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات التشريعية من التفاهم لتشكيل حكومة جديدة ترعى مصالح الشعب.
ويدور الخلاف بين الأحزاب السياسية العراقية، إثر إعلان كتل نيابية، من أبرزها "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر، والنصر بزعامة حيدر العبادي تشكيل تحالف "الإصلاح والإعمار" الذي يمنحهم أغلبية في البرلمان بنحو 180 نائبا.
لكن، ساعات فقط بعد إعلان العبادي، رد تكتل منافس بقيادة رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، ونوري المالكي المقرب من إيران والمعادي للسعودية، أنهما شكلا تحالفا خاصا سيكون الكتلة الأكبر في البرلمان بنحو 145 نائبا، بعد انضمام بعض النواب في أعقاب انشقاقهم عن التحالف الآخر.
ويدور الخلاف حاليا بين المعسكرين. الأول يرى أن عدد الأعضاء يعتمد على الأسماء التي فازت في الانتخابات ضمن القائمة الانتخابية بغض النظر عن انسحاب بعضهم لاحقا. أما المعسكر الثاني فيرى بأنه من الضروري احتساب النواب الفعليين داخل تحالف الكتلة الأكبر، وأن يتم اعتماد تواقيعهم الشخصية على وثيقة تشكيل التكتل الأكبر.
فراغ سياسي في بغداد وفقدان الأمل في البصرة
وفي تغريدة على حسابه على توتير، أكد وفيق السمرائي وهو محلل سياسي وعسكري عراقي "أن كل ما يحدث في المنطقة هو ناتج عن صراع بين محور إيران وتركيا وقطر من جهة ومحور السعودية والإمارات والولايات المتحدة من جهة أخرى. أما العراق فهو إحدى محطات هذا الصراع".
وواصل: "بصرف النظر عما يقال عن أحداث البصرة، فإنها نتيجة ظلم شنيع فرضه المفسدون محليا وفي كل العراق والمتآمرون. فمأساة ماء الشرب كان من الممكن تدارك وقوعها لو لم تسد الأنانية والتراخي عند سياسيين عراقيين".
وفي وقت تحاول الأحزاب السياسية والكتل النيابية والمرجعيات الدينية التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه تشكيل حكومة جديدة ثم انتخاب رئيس جديد للبلاد، يبقى أهالي البصرة يواجهون معاناتهم بأنفسهم بعيدا عن الحسابات السياسية والمولاة الدينية التي تجري في العاصمة بغداد، وفي وقت تسعى فيه إيران إلى زعزعة العراق أكثر، انطلاقا من تراب البصرة تحديدا.
طاهر هاني
نشرت في : 07/09/2018