لا ندري إذا كانت لعبة تحديد التواريخ والمهل تنفع في تسهيل ولادة الحكومة العتيدة، أم تؤدي بشكل أو بآخر إلى مزيد من العقد والتعقيدات، كما هو ظاهر حتى الآن!
لا يكفي الإعراب عن رغبة رئاسية، أو سياسية، لتسريع خطى التأليف، إذا لم يقترن هذا التوجه بخطوات عملية وملموسة على أرض الواقع، من شأنها أن تساهم في تذليل العقبات التي تؤخر الولادة الحكومية.
ولا تنفع “الدراسات” المفبركة، ولا الاجتهادات المركبة، في تجاوز النصوص الدستورية الصريحة والواضحة، والتي لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، يتعارض مع نص وروح الميثاق الوطني، ودستور الطائف.
وليست مجرد صدفة، أن تلتقي أكثرية الأطراف السياسية على أن حلحلة العقد تبدأ من إعادة النظر بمواقف “التيار الوطني الحر”، وشروطه في التأليف وتوزيع الحصص، والتراجع عن سياسة إلغاء أو تحجيم الشريك المسيحي، أي “القوات اللبنانية”، وإبعادهم عن الوزارات السيادية، والخدماتية الكبيرة، وإعطائهم ما تيسّر من الحقائب الهامشية، وطبعاً إلى جانب الفيتو على توليهم منصب نائب رئيس الحكومة، الذي شغلوه في الحكومة المستقيلة!
المفارقة أن تداعيات العقدة المارونية – المارونية تعتبر العقبة الكأداء أمام مسار التأليف، ومع ذلك ثمة محاولات مكشوفة لرمي كرة العرقلة في ملعب الرئيس المكلف ، ثم التباري في المناورة والتهويل بسحب التكليف، في حال طال انتظار التأليف!
* * * * *
الواقع أن هذا التعثر السياسي الذي يتخبّط به البلد، يدل على حالة الإرباك التي يعانيها “التيار الوطني الحر”، بصفة كونه الطرف الأبرز في فريق العهد، في التعاطي مع الأطراف السياسية الأخرى، التي كان لها دور أساسي في التوصل إلى التسوية السياسية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا: “اتفاق معراب” أصبح في خبر كان، بعدما تنكر “التيار” لبنوده التي تنص على المشاركة في إدارة السلطة، والتنسيق في المواقف الأساسية.
العلاقة مع تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري تمر في مرحلة برودة متزايدة، بعد انتهاء شهر العسل بينهما غداة انتهاء الانتخابات النيابية، وقد دفع تيار المستقبل أثماناً باهظة لهذه العلاقة التي مالت نتائجها لمصلحة التيار الوطني. المسيحيون المستقلون لم يحصلوا على “شرعية” وجودهم من باسيل ، الذي اكتفى باستخدامهم ضد خصومه الانتخابيين. ولم تشفع لرئيس “حزب التوحيد” وئام وهاب علاقته المميزة مع الرئيس عون ، للحصول على أصوات أنصار “التيار الوطني” في الجبل.
وبات واضحاً أن هواجس المعركة الرئاسية المقبلة تتحكم في كثير من مواقف “التيار الوطني الحر” وتصرفات رئيسه الوزير جبران باسيل ، وكأن الإستحقاق الرئاسي على الأبواب، وتوقيته يسابق الاستحقاقات الأخرى، بما فيها تأليف “حكومة العهد الأولى”، والعمل على تحقيق الحد الأدنى من الإنجازات باسم العهد، لا سيما في ملفي الكهرباء والنفايات.
والرد هذه المرة جاء من “حليف” “التيار”، “حزب الله”، عبر خطاب الشيخ نعيم قاسم أمس، والذي اعتبر فيه أن من يربط تشكيل الحكومة بالاستحقاق الرئاسي المقبل يكون واهماً، لأن معطيات المعركة الرئاسية لا تتبلور قبل أربعة أو خمسة أشهر من موعد الانتخابات.
* * * * *
هل يعني هذا الكلام أن الحكومة العتيدة لن تُبصر النور في أيلول؟
مع التأكيد الكامل على أهمية وضرورة تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، إلا أن العودة إلى لعبة التواريخ والمهل ليست لمصلحة أحد، وقد تكون لها مفاعيل عكسية سلبية.
ولكن لا بد من التسليم بأن الولادة الحكومية لن تكون قريبة، ولا سهلة، إذا لم يتخلَ “التيار الوطني الحر” عن منطق “التكتل القوي”، وسلك طريق التواضع في التعاطي مع الشركاء الآخرين في السلطة، وحاول استيعاب الخلافات التي تؤخر إقلاع العهد بالمستوى الذي يتمناه فخامة الرئيس.
فهل يُبادر الوزير جبران باسيل؟