يكتسب التقرير الذي نشرته مجلة “الإيكونوميست” البريطانية حول الأزمة الإقتصادية المقبلة على لبنان نتيجة الركود الإقتصادي، واستمرار أزمة تقاسم الحصص في عملية تأليف الحكومة العتيدة، طابع الرسالة التحذيرية الواضحة والصريحة والمباشرة من قبل المجتمع الدولي إلى السلطات اللبنانية، والتي تحذّر من “انزلاق لبنان نحو أزمة إقتصادية، في الوقت الذي يتلهّى فيه السياسيون بصراعاتهم على الحصص”. وقد قرأت في هذا التنبيه أوساط وزارية على تماس مع الوضع الإقتصادي المتدهور، جرس إنذار للبنان في توقيت لافت، خاصة وأن التقرير المذكور يعرض تفاصيل التطوّرات المالية والإقتصادية في المقاربة الخارجية التي تقترب كثيراً في معطياتها وأرقامها من مضمون المقاربات المحلية التي تتكرّر بشكل دوري من قبل إقتصاديين وخبراء ومصرفيين بارزين في بيروت خلال الشهر القليلة الماضية.
وقالت هذه الأوساط، أن الإنعكاسات السلبية لتأخير تشكيل الحكومة، تتباين في السيناريوهات المتبادلة التي يجري تداولها بين العديد من الأطراف الداخلية والخارجية، والتي تحمل طابعاً كارثياً إنطلاقاً من الإشارة إلى احتمال أن يتحرّك الشارع في حال استمرّ التراجع الدراماتيكي في المؤشّرات الإقتصادية، وذلك في ضوء معلومات عن تسجيل حالات إقفال أو توقّف عن العمل لعشرات المؤسّسات الصناعية والتجارية، وذلك بمعدّل مؤسّستين في كل شهر خلال العام الماضي.
وليس خافياً على أي طرف محلي أو إقليمي أو دولي، الخطر المالي والإقتصادي الداهم، والذي تحدّث عنه أكثر من مرجع نيابي وحزبي، كما تكشف الأوساط الوزارية نفسها، والتي تستدرك في هذا السياق موضحة أن المخاوف لا تقتصر على قطاع دون غيره، أو على طرف دون غيره، وإن كان الضغط أحياناً يتركّز على فريق سياسي معيّن، انطلاقاً من واقع دولي يتصل بالعقوبات الأميركية على إيران، والمرشّحة إلى التصاعد مع حلول شهر تشرين الثاني المقبل.
ومن هنا، فإن خطر المراوحة الحالية على خط تأليف الحكومة الجديدة، ليس سيناريو مطروحاً في الصالونات السياسية أو الإقتصادية، بل هو مرتبط بجملة معطيات أو إجراءات وخطوات. وبالتالي، فإن الأوساط الوزارية نفسها، تؤكد أنه، وحتى بعد التوافق على ولادة الحكومة المقبلة، فإن مساراً طويلاً ينتظرها قبل الوصول إلى مرحلة المعالجة العملية لتفادي الأزمة الإقتصادية التي يحذّر منها الداخل قبل الخارج، مع العلم أن الرئيس المكلّف سعد الحريري سبق وأن تحدّث عن مخاطر الجمود على الواقع الإقتصادي، لا سيما لجهة خسارة لبنان مشاريع إستثمارية كبرى يفترض تنفيذها، بعدما تعهّد المجتمع الدولي في مؤتمر “سيدر1” بدعم الإقتصاد اللبناني بمبلغ يفوق 11 مليار دولار، من خلال خطة إقتصادية تنفّذها الحكومة المقبلة، وكانت وضعتها حكومة تصريف الاعمال الحالية.
لكن، وانطلاقاً مما تقدّم، فإن الأوساط نفسها ترفض الإنجرار إلى أي توقّعات سوداوية،إذ تعتبر أن التمادي في الحديث عن الأزمة لا يحقّق أي هدف عملي، بل يجب أن يشكل التحذير حافزاً لتفادي الوصول نحو الأسوأ، ودافعاً للعمل من أجل مواجهة أي تطوّرات سلبية في القطاعات الاقتصادية. كذلك، فهي تركّز على وجوب عدم التمادي في زعزعة ثقة اللبنانيين، كما ثقة عواصم القرار ومؤسّسات التصنيف الدولي بالوضع المالي اللبناني، من خلال الحديث عن أزمة إقتصادية داهمة، لافتة إلى أن التصنيف الدولي للبنان، ما زال إلى الآن مستقراً، كما أن وضع الليرة ما زال جيداً بفعل السياسات المالية المتّبعة من مصرف لبنان المركزي. وعلى هذه الخلفية، فإن الأوضاع الإقتصادية الصعبة تضع الحكومة العتيدة أمام أولوية وحيدة وهي المشروع الإصلاحي من أجل تطوير رؤية مستقبلية تؤمن التزام لبنان بتنفيذ وعوده للمجتمع الدولي.