ليست المرة الأولى التي يجري فيها طرح “تشريع الضرورة” في مجلس النواب، كما هي الحال اليوم في النقاش الدائر في الأوساط النيابية، وذلك لمواجهة الواقع المستجد فيما لو تأخر تشكيل الحكومة. فقد سبق وأن طرح هذا التشريع منذ نحو ثلاث سنوات، ولكن حصل توافق في حينه، وليس إجماعاً، من قبل كل القوى الفاعلة على اعتباره غير دستوري. أما اليوم فأن “تشريع الضرورة” يأتي في سياق الحديث عن عدم جواز تعطيل مجلس النواب وليس في أي سياق سياسي آخر، كما يؤكد مصدر نيابي في كتلة “التحرير والتنمية”، ذلك أن وجود عدد كبير من الإقتراحات والمشاريع الهامة والملحة التي أقرتها اللجان النيابية المشتركة، يتطلب خطوات فعلية تسمح بأن تعمل الهيئة العامة على دراستها وإقرارها، بالإضافة إلى أن الهدف الأساسي من هذا الطرح، هو مناقشة مجلس النواب لتفاصيل الوضع الحكومي والخطوات التي من الممكن أن تساعد على تسريع إنجاز تشكيل الحكومة.
وفي هذا المجال، أوضح المصدر النيابي نفسه، أن “تشريع الضرورة” لا يشكل سابقة كما يعتبر البعض اليوم، خاصةً وأن مجلس النواب قد سبق وأن قام بمثل هذه الخطوة بعد اتفاق الطائف وفي ظل الدستور الحالي، معتبراً أنه من غير المقبول تعطيل مجلس النواب ومصالح الدولة والمواطنين فترة زمنية طويلة، لا سيما في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى التشريع لتسيير شؤون الدولة والمؤسّسات رغم وجود حكومة تصريف أعمال.
ورفض المصدر النيابي ذاته، تصوير أي مبادرة نيابية سواء من خلال جلسة عامة تشاورية لمناقشة المستجدات الداخلية، أو سواء العمل على تشريع القوانين العديدة الموجودة في المجلس، وكأنها موجّهة ضد الرئيس المكلف سعد الحريري. وأوضح أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، سبق وأن طرح فكرة عقد جلسة تشريعية من باب “تشريع الضرورة” منذ نحو شهر، ولكنه تريّث في ترجمة ذلك بانتظار بلورة نتائج المساعي التي يبذلها الرئيس الحريري، والتي ترتدي هذه المرة طابعاً مختلفاً عن كل المرات السابقة، وبالتالي، فمن المتوقّع إرجاء أي خطوة في هذا المجال إلى الأيام المقبلة، وتحديداً إلى ما بعد جهوز الطروحات التي يجري تداولها في الملف الحكومي في قصر بعبدا، كما في بيت الوسط على حد سواء.
وفي سياق متصل، أكد خبير دستوري لـ”الديار”، أن أي جلسة تشريعية لإقرار قوانين ذات طابع ضروري وملحّ لن تكون سابقة، إذ سبق وأن بادر المجلس النيابي السابق إلى إقرار مشاريع قوانين في ظل حكومة تصريف أعمال، وذلك بسبب الضغوط الخارجية التي سُجّلت من أجل إنعقاد الجلسة لإقرار قوانين متعلقة باستـفادة لبـنان من بعض القروض والهبات الدولية، مع العلم أنهـا لم تكن الجلسة الوحيدة في هذا المجال. وقال الخبير نفسه، أنه ما من نص دستوري يحدّد مفهوم التشريع في فترة تصريف الأعمال الحكومية، لكن الفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور تنص على أنه عند استقالة الحكومة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة إستثنـائية، وذلك حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.
من جهة أخرى، أوضح الخبير الدستوري، أن القاعدة الأساسية في النظام البرلماني، هي التأثير المتبادل ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أولاً، والتعاون ما بين هاتين السلطتين ثانياً. ولفت الى أن التأثير المطلوب من قبل الحكومة مرتبط بوضعها القانوني، أي أنه يختلف في حالة الإستقالة أوتصريف الأعمال عن وضعها عندما تكون قائمة.
من هنا، فإن “تشريع الضرورة” ووفق الخبير الدستوري نفسه قد يتحول الى خطوة ضرورية من أجب تحريك الوضع التشريعي وليس من أجل تحقيق غايات سياسية كما يعتبر بعض الأطراف السياسية والذين يطرحون أكثر من سؤال حول تداعيات هذه الخطوة على مجمل المشهد السياسي في البلاد عموماً وقبل المشهد الحكومي المأزوم خصوصاً.