تتضارب المعلومات حول المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين، وذلك بعدما شهد الموقف الأميركي تعديلاً إزاء موافقته المبدئية على أن تقود موسكو هذه العملية، إذ تتحدّث مصادر ديبلوماسية في بيروت عن أن المبادرة الروسية التي وجدت ترحيباً في بيروت، بحيث تمكّنت من جمع كل الأطراف على موقف واحد، ما زالت محور التجاذبات الروسية ـ الأميركية من جهة، كما الإشتباك السعودي ـ الإيراني من جهة أخرى. وأضافت المصادر، أنه مع تصاعد الضغط الأميركي على النظام السوري، والتلويح مجدّداً بسيناريو الضربة العسكرية على غرار ما حصل في نيسان الماضي، قد أعاد خلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، ودفع بالمبادرة الروسية لإعادة ملايين النازحين السوريين إلى وطنهم، نحو أسفل سلّم الإهتمامات لدى الولايات المتحدة الأميركية، وتالياً لدى الإتحاد الأوروبي، على الرغم من الدعم المؤكد الذي أبدته عواصم أوروبية للحراك الروسي في هذا المجال.
وتقول المصادر الديبلوماسية نفسها، أنه من غير الوارد اليوم الإنخراط في أي عملية سياسية تدفع نحوها الأمم المتحدة من أجل دعم مشاريع العودة للنازحين، لافتة إلى أن التوافق أو الإلتقاء الذي سُجّل ما بين القيادتين الأميركية والروسية حول هذا الملف، قد تأثّر بالتطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة السورية، وإن يبدو من الصعب أن تصل الأمور إلى أي مواجهة سياسية أو ميدانية ما بين موسكو وواشنطن. وتحدّثت المصادر عينها، عن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقرع طبول الحرب في المنطقة، ولكن التوقّعات بحصول أي احتكاك عسكري، حظوظه غير مرتفعة، ذلك أن أطراف هذه المواجهة قد تجاوزت الميدان السوري إلى ساحات صراع أخرى، ليست بالضرورة ساحات عسكرية بل إقتصادية على وجه الخصوص.
وبحسب هذه المصادر، فإن الظروف الإقليمية مختلفة عن نيسان الماضي، وبالتالي، فإن المخاوف من انسحاب الإحتقان الإقليمي على الساحة الداخلية، تتّجه إلى الإزدياد يوماً بعد يوم، لا سيما وأن تشعّبات الأزمة الحكومية تشير بوضوح إلى دور فاعل للصراعات الإقليمية في المأزق السياسي الحكومي. وإذا كان مسلسل عقدة النازحين السوريين ما زال في حلقته الأولى، فإن الحلقة المقبلة لن تُنجز في وقت قريب رغم التصميم الروسي على التحرّك، بغض النظر عن الموافقة أو التأييد من الولايات المتحدة الأميركية. ومن هنا، استدركت المصادر ذاتها، أن الإنعاكسات المباشرة لأي تدهور في المشهد السوري في الأسابيع القليلة المقبلة، لا بد وأن تطال المبادرة الروسية، وعملية عودة اللاجئين السوريين، إذ سيكون من الصعب بدء انتقال السوريين في الوقت الذي تشهد فيه سوريا عمليات عسكرية ضخمة، كالتي يتم التحضير لها في معركة إدلب المنتظرة.
وفي هذه الحال، فإن ملف عودة النازحين السوريين، سيشكّل ورقة سجالية جديدة في الداخل اللبناني، تساهم في تصعيد التوتّر السياسي الداخلي، وذلك بالتوازي مع الإنسداد الخطير في الأفق الحكومي، الذي يقبع حتى اليوم في مستنقع الحصص والمصالح الآنية الصغيرة. ومن شأن هذه المعطيات غير التفاؤلية، أن تلقي بظلال قاتمة على المبادرة الروسية بشكل عام، وعلى الإجماع اللبناني الذي حقّقته هذه المبادرة بالنسبة للمباشرة بوضع الإجراءات الميدانية إعادة النازحين في أقرب موعد ممكن، مع العلم أن أي تنفيذ عملاني لأي آلية قد يتم التوصل إليها، يتطلّب وجود حكومة قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة في هذا المجال، وليس كما هو حاصل اليوم مع حكومة تصريف الأعمال.