لا يعرف وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل من أين يرد السهام التي تطاله وتطال أداءه غير المقنع في الوزارة التي تسلّمها فريقه السياسي منذ أكثر من عقد من الزمن.
وإذا كان أبي خليل ليس مسؤولا بمفرده عن انهيار هذا القطاع وعدم التمكن من تأمين الكهرباء للمواطنين الذين يرزحون تحت عبء فواتير أصحاب المولدات الخاصة، إلا أنه بالتأكيد ساهم باقتراحاته في استمرار الوضع المأساوي على ما هو عليه.
والأسوأ في هذا الموضوع هو أن ينبري أبي خليل إلى احتلال شاشات التلفزيون وإطلاق المواقف التي لا تقنع لا المواطنين ولا الفرقاء السياسيين، بأن ما يقوم به “تنفيذا لقرارات رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل” هو أفضل الحلول، واتهام الآخرين بالوقوف ضد برنامجه الكهربائي الإصلاحي والذي يرى فيه حلا نهائيا لأزمة هذا القطاع، والمرتكز على استجرار الطاقة، مؤقتا، من خلال البواخر التركية التي ستفوق كلفة استئجارها، بما في ذلك العمولات، حوالي 850 مليون دولار سنويا ولمدة خمس سنوات، أي أضعاف كلفة إنشاء معامل إنتاج على مختلف الأراضي اللبنانية.
وزارة مثيرة
وما يزيد الطين بلة في وزارة الطاقة، أنها مسؤولة إلى جانب إدارة قطاع الكهرباء والمياه، عن إدارة ملف الثروة النفطية والغازية التي تبيّن أن لبنان يملكها في مياهه الإقليمية، وفي هذا الملف كانت التجاذبات السياسية كبيرة لكنها لم تفعل شيئاً سوى أنها أضافت إلى سجل الفريق السياسي الذي ينتمي إليه أبي خليل، نقطة إضافية في ملف السمسرات والصفقات المشبوهة، إلى حد اتهامه وفريقه بقبض عائدات العمولات النفطية قبل استخراجها.
ولعلّ الدسامة التي تتمتع بها وزارة الطاقة اللبنانية، هي ما دفع وزير الخارجية باسيل إلى التصريح علنا بتمسكه بملف هذه الوزارة في الحكومة التي يجري العمل على تشكيلها، وعوض أن يكون الفشل الذي تميّز به هذا الفريق في إدارة هذا الملف سببا لتنحيه عنه، زاد الإصرار على التمسّك بالوزارة من الشكوك التي لا بد أنها في مكانها.
ولأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط هو الأجرأ بين السياسيين على تسمية الأمور بأسمائها، فإنه أطلق تغريدة عبر موقع “تويتر” زاد فيها من إحباط أبي خليل عندما دعا إلى إقالته أسوة بزميله “الفاشل” في وزارة الطاقة العراقية، فقال “في العراق وبعد أسابيع من الاحتجاج أقيل وزير الطاقة الذي هدر 40 مليار دولار. البنك الدولي ينصح لبنان بالتخلي عن البوارج العثمانية وبناء معامل، أليست هذه فرصة أيضا لإقالة الوزير الحالي ومعلمه لحل عقدة الوزارة والكهرباء معا؟”.
لكن أبي خليل ردّ قائلا “فعلا لما بدك تقلل شئمة ببطل في شي عيب… إنه يا بدنا (نريد) نشتري منكم كهرباء من وحدات إنتاجية توضع على سنسول الكوجكو أو الهدر يلّي (الذي) عملتوه من سنة 1990 لليوم بيكون مسؤوليتنا؟”، ناسيا أو متناسياً أن جنبلاط ونواب اللقاء الديمقراطي لم يمرّوا يوما منذ اتفاق الطائف على هذه الوزارة الدسمة.
ولد أبي خليل في بليبل، قضاء عاليه في 17 أغسطس 1971، وهو حاصل على دبلوم في الهندسة المدنية من جامعة القديس يوسف وعضو نقابة المهندسين في بيروت منذ العام 1995. ناشط في التيار الوطني الحر منذ العام 1989. أسّس مع بعض ناشطي قضاء عاليه في التيار الوطني الحر هيئة للقضاء في ديسمبر من العام 1996 وتولى مهام منّسق القضاء حتى العام 2004. ترشّح إلى الانتخابات النيابية في العام 2009، لكنه لم يوفق وشغل منذ ذلك العام منصب مستشار وزير الطاقة والمياه جبران باسيل.
غموض الشركة التركية
منذ تَسلمه مركز مستشار وزير الطاقة، شكّل من خلال موقعه كمهندس وكمستشار حلقة الوصل بين النواب والفعاليات من جهة ومديريات الوزارة من جهة أخرى، وكان على اطلاع على كل الخفايا والمشاريع المتعلقة بالوزارة، ولعلّ هذا ما دفع التيار الوطني الحر إلى تسليمه ملف الوزارة بالأصالة في الحكومة التي شكّلها الرئيس سعد الحريري بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في أكتوبر 2016.
وأطلق أبي خليل عام 2017 خطة البواخر تحت ما يُسمى “الخطة الإنقاذية لقطاع الكهرباء”، والتي تقضي بأن يستأجر لبنان باخرتين بقدرة 470 ميغاوات للأولى، و420 ميغاوات للثانية، لمدة خمس سنوات، بكلفة إجمالية تصل إلى 850 مليون دولار سنويا، تضافان إلى الباخرتين “فاطمة غول” و”أورهان بيه” اللتين سبق أن استأجرهما لبنان أثناء تولي باسيل الوزارة من شركة “كارباورشيب” التركية واللتين تزيد كلفتهما لمدة ثلاث سنوات على 400 مليون دولار.
والشركة التركية هي بيت القصيد، فعلى الرغم من أن سجل هذه الشركة مشوب بصفقات وسمسرات كثيرة سبق أن فضح أمرها في باكستان، إلا أن وكيل هذه الشركة في لبنان هو أحد نواب رئيس “تيار المستقبل” الذي يرأسه الحريري، ورغم أن العلاقة السياسية كانت شبه مقطوعة ومتوترة إلى أقصى الحدود بين “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” أثناء تولي باسيل وزارة الطاقة، إلا أن “مصلحة” مشتركة ما جمعتهما في قضية الباخرتين كانت فوق الخلافات السياسية.
وجاءت أزمة استقدام باخرة تركية ثالثة زعم وزير الطاقة أنها ستؤمن الكهرباء مجانا لفترة ثلاثة أشهر، على اعتبار أنها “ستؤمن الطاقة خلال فصل الصيف الذي تزداد فيه نسبة الاستهلاك”، لتزيد من استفحال الأزمة، حيث أن خطة مبدئية كانت تقضي بأن ترسو الباخرة بالقرب من معمل الجية الكهربائي إلا أن فعاليات المنطقة رفضت ذلك، وكذلك رفضت فعاليات منطقة الزهراني رسو الباخرة في مرفأ المنطقة، فما كان من أبي خليل إلا أن حوّل الباخرة باتجاه منطقة الزوق وبشّر أهالي منطقة كسروان وجبيل بأن الكهرباء ستؤمن لهم ما بين 22 ساعة و24 ساعة يوميا.
وأشار وزير المال علي حسن خليل إلى أن الباخرة بالفعل ستكون مجانية لفترة ثلاثة أشهر، إلا أنها ستبقى بعد ذلك بفعل قوة الأمر الواقع وستضطر عندها الخزينة إلى تكبّد المزيد من الأموال المصحوبة بروائح السمسرات والصفقات وأن لدى الوزارة الحق بالتوقيع على أذونات الصرف، في تهديد مبطن بعدم الموافقة على الفخ الذي اعتقد أبي خليل ومن خلفه باسيل أنهما تمكنا من نسجه.
البواخر هدف والكهرباء نتيجة
البيان الذي أصدره النائب في كتلة “اللقاء الديمقراطي” أكرم شهيب في رد على مزاعم أبي خليل، جاء ليدحض بالأرقام والوقائع كل ما سبق لوزير الطاقة أن حاول تمريره عبر إطلالاته التلفزيونية وبياناته الصحافية لرد الاتهامات المساقة ضده وضد فريقه السياسي في مسألة سوء إدارة قطاع الكهرباء.
وبعد أن قال شهيب “ننصح وزير الطاقة بأن يوفّر طاقته لإدارة الوزارة” أشار إلى أنه في العام 2010 وفي ظل حكومة وحدة وطنية جامعة، “تم إقرار ورقة سياسة قطاع الكهرباء التي قدمت من الوزير جبران باسيل وبمشاركة فاعلة من كل القوى السياسية. الخطة استلزمت في انطلاقتها تأمين 1200 مليون دولار من الدولة اللبنانية، على أن يتم تأمين المبالغ من الصناديق والهيئات الإقليمية والدولية والتي تصل بمجملها إلى 4.5 مليار دولار. أخذ المجلس النيابي ومجلس الوزراء وكافة القوى السياسية المبادرة لإقرار القانون 181 تاريخ 13 أكتوبر من العام 2011، وذلك لتأمين التمويل من الدولة واشترطت تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان في فترة شهرين وتعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء في فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر. لم يتم تعيين مجلس إدارة ولم يتم تعيين هيئة ناظمة، فيما أصر الوزير باسيل وفريق عمله على الحصول على الـ1200 مليون دولار دون أي التزامات من تنفيذ بنود القانون 181”.
ولفت شهيب إلى أن “الخطة تضمنت طاقة سريعة، وشكلت البواخر جزءا منها، فتحول كل الإنتاج الكهربائي إلى بواخر، باستثناء المعملين الأخيرين في الذوق والجية واللذين تزيد قدرتهما الإنتاجية عن 400 ميغاوات. السؤال الكبير: كيف تبقى البواخر هدفا والكهرباء نتيجة وليس العكس، والدليل أن آخر باخرة كهربائية بقدرة 250 ميغاوات ولكنها غير قادرة على وضع أكثر من 50 ميغاوات على الشبكة، أما طريقة الفوترة لإنتاج البواخر فحدث ولا حرج”.
وأشار إلى أن “فخامة الرئيس، وهو محق، طالب بتقديم بديل لخطة الوزير سيزار أبي خليل، وقام الحزب التقدمي الاشتراكي بعقد مؤتمر بالتعاون مع مؤسسة ‘فريدريتش’ الدولية في فبراير 2018، حيث شارك فيه خبراء وفعاليات من كافة القوى السياسية وقدم الحزب لاحقا الخطة العلمية وسلمها إلى مجلس الوزراء في الشهر الرابع من هذا العام. المشكلة كانت أنه لم تكن هناك خطط بديلة عن خطة الوزير أبي خليل، وعندما وجدت الخطة الأخرى لم تناقش”.
ويبدو أن معظم الجهات السياسية عارضت خطة البواخر، أولا لأنها مخالفة للأصول والقوانين، لأن الإجراء المتّبَع للاختيار والتلزيم كان غير قانوني حيث أن العقود أبرمت بالتراضي ولم تمر عبر إدارة المناقصات، وبالتالي أدى إلى توقيف صفقة الإنتاج المؤقت لأنها لم تجرِ حسب الأصول، ثم لأن حصر صفقة الإستئجار بشركة واحدة يعني أن الإجراء المتّبَع غير تنافسي، ويثير الكثير من الشكوك حول أهداف الخطة.
سنة ونصف السنة مضت على أزمة البواخر، لم يقدم خلالها أي من الحلول وكان الأجدى المباشرة ببناء معامل إنتاج تساهم في تأمين الطاقة وخفض العجز التراكمي تمهيدا لخفض الفاتورة الإجمالية، وبذلك تكون الجدوى على المدى البعيد أكثر نفعا وأقل ضررا على خزينة الدولة.
فهل يتحول المؤقت إلى مستدام؟ وهل يستمر أبي خليل في أسوأ إدارة لأهم ملف حياتي يعني المواطن اللبناني؟ عندما تغيب المحاسبة، كل شيء ممكن، لكن وزير الطاقة اللبناني قال بالفم المفتوح قبل أيام وعلى شاشة التلفزيون إنهم “غيروا اسم باخرة الكهرباء التي كان من المفترض أن تتوجه إلى الجنوب من عائشة غول إلى إسراء حفاظا على مشاعر البعض”. فأين نحن وأين التنمية والطاقة وأين هذه الأفكار؟