الاعتذار، الآن، أفضل الحلول، من انقلب على اتفاق معراب ليس بصعب عليه الانقلاب على التسوية، ولا الانقلاب على دستور الطائف، وإذا كان الانقلاب الأول قد أعلن، فهو متوجس حتى الآن من إعلان الانقلاب الثاني، المشكلة أنّ الطرفين في اتفاق معراب والتسوية دفعا سلفاً والضمانات لم تجدِ نفعاً، لذا تعطيل مفاعيل الاتفاقات التي تمّ الانقلاب عليها هو الحلّ الأمثل، ولتكن العرقلة بالعرقلة.
لطالما وُجِدَ في لبنان فريق يختطفه لصالح محاور ودول أخرى، مرّة في محور «عروبة» عبدالناصر، ومرّة حوّلوه إلى جبهة مفتوحة وساحة للميليشيات الفلسطينيّة، وأخرى أباحوه للاحتلال السوري ولـ»عروبة» جبهة الصمود والتصدّي التي بات اسمها اليوم «محور الممانعة»، فما نكاد نخرج من احتلالٌ حتى يسلّمنا احتلال سابق لآخر لاحق!! حتى اتفاق الطائف الذي وضع لإنهاء الحرب الأهليّة تمّ وضعه بصيغة تتيح التحكّم بلبنان، وفيه كثير ممّا يجعل تعطيله أمراً واقعاً، حتى البيانات الحكوميّة نواجه أزمات تعطّل وضعها وتفرض فيها بنود تؤكّد أن لبنان مخطوف من فريق أو محور، وباتت التحايل على اللغة العربية «تعليمة» وصفها مرّة النائب وليد جنبلاط بـ»المطاطة» عندما احتدّ النقاش على طاولة حوار العام عام 2006 على كلمة «ترسيم الحدود» و»تحديد الحدود» بين لبنان وسوريا وهو فخٌّ لغوي لتعطيل المطلب اللبناني، ومثله كلّ البيانات الحكوميّة التي علقت في ثلاثيّة الجيش والشعب والمقاومة فأسقطت الدولة، والأمثال لا حصر ولا عدّ لها.. عمليّاً، نحن دولة تحتال على نفسها باستخدام كلمات مبهمة يُفسّرها من يشاء كيفما يشاء ووقتما يشاء!!
ليست المرّة الأولى التي يكون فيها لبنان منصّة وساحة تُستخدم ضدّ العرب عموماً، ليست المرّة الأولى التي يكون فيها لبنان مخطوفاً ضدّ نفسه وانتمائه العربيّ، منذ الدستور الأول الذي كان فيه لبنان «ذو وجه عربي»، حتى أقرّ اتفاق الطائف عام 1990 نصاً يؤكّد أن لبنان عربيّ الهويّة والانتماء، وللمفارقة أنّ لبنان منذ ذلك التاريخ اختطفه فريق إلى الحضن الإيراني منذ العام 1979 وعمل بدأبٍ على تكريسه دولة مشلولة مستتبعة للوليّ الفقيه الإيراني، وهذا واقع لا يُظنّن أحد أنّ لبنان قادرٌ على التفلّت منه إلا متى تمّ وضع حدّ لسلاح حزب الله بنزعه وتلقّي الحزب ضربة تقضي عليه وعلى مشروعه، وهذا أمرٌ صعبٌ تحقيقه في الوقت الرّاهن.
لو كنتُ مكان الرئيس سعد الحريري لاعتذرت بالأمس قبل اليوم ردّاً على عمليّة تعطيل نواياه الطيّبة ونكران دوره الكبير، بل الإمعان في تعطيل دوره، في إيصال سيّد العهد إلى سُدّة الرئاسة. الاعتذار الآن، هذا هو الحلّ، «هيك هيك البلد معطّل»، «مسخرة» تعطيل تشكيل الحكومة يجب أن ينتهي، وليتفضّل المُعَطِّل ويرينا أيّ حكومة سيشكّل ويُسيّر بها البلد ودعوا العهد «يقبّع شوك تعطيل حزبه بيده»؟ فليشكّلوا حكومة واجلسوا وتفرّجوا على العهد يغرق في شرّ تعطيل رئيس تيّاره، ولنشاهد دول العالم تنفض يدها من لبنان!
من المؤسف أنّ التعطيل الذي يمارسه الدّاخل اللبناني «ألعن» بكثير من التعطيل الذي كانت تمارسه وصايات الاحتلال على لبنان، وأغلب ظنّنا أنّ كلّ النصائح الخارجيّة بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة سريعاً وتقديم تنازلات متبادلة لن تلقى أذناً واعية، لأنّ هناك من يمارس السياسة بكيديّة مخيفة لم يشهد لبنان مثلها في تاريخه، هذا الحمق السياسي إلى أين سيقود البلاد، تجربة اللبنانيين مفيدة هاهنا «إلى الخراب»!