شكك مراقبون في حاجة مصر لصفقة بقيمة 15 مليار دولار أعلن عنها في فبراير/شباط الماضي، ستزود إسرائيل بموجبها مصر بالغاز الطبيعي من خلال شركة خاصة في العقد المقبل، على اعتبار أن البلاد توشك أن تحقق اكتفاء ذاتيا من حاجتها من الطاقة.
وذكر موقع ميدل إيست آي أن الصفقة التي وقعتها شركتا "ديليك دريلينغ" و"نوبل إينيرجي" الإسرائيليتان العاملتان في حقلي الغاز "تامار" و"ليفاتان" بالبحر الأبيض المتوسط، وشركة "دولفينوس هولدينغ" الخاصة المصرية، تبدو غير ذات مبرر واضح.
وكانت الشركات الثلاث أعلنت أيضا في مارس/آذار 2015 اتفاقا مماثلا، في وقت كانت فيه الأسر والمصانع المصرية تعاني حينها من انقطاعات في التيار الكهربائي نتيجة نقص إمدادات الغاز، لكن الاتفاق لم يسر كما خطط له، حيث تحولت السوق بمنطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالغاز، بشكل لم يتوقعه تجار الغاز الإسرائيليون فأضحت مصر بلدا شبه مكتف الآن من حاجياته للغاز الطبيعي.
حسب بعض خبراء الطاقة لن يمر وقت طويل حتى تكتشف مصر أيضا المزيد من الغاز (الأوروبية) |
حلم إسرائيل
ويرى مراقبون أن هناك حاجة ماسة لدى تل أبيب لتسويق غازها، فكلما طالت مدة بقاء الغاز الإسرائيلي بلا مشتر، سيكتشف المزيد من الغاز في البحر المتوسط، ومن المرجح بالتالي أن يؤجل حلم إسرائيل في ضمان مبيعات جيدة من حيث التكلفة إقليميا، إلى أجل غير مسمى.
ولا تصرح السلطات الإسرائيلية بهذا المعطى علنا، بل تركز التقارير الحكومية بدلا من ذلك فقط على الحجج التي تراعي مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي.
الشيء الأكيد في الصفقة الأخيرة أنها ستسمح للشركتين الإسرائيليتين "ديليك" و"نوبل"، وشركاء صغار آخرين، بمواصلة استثماراتهم في حقل غاز "ليفاثان" الذي يعد أكبر حقل للغاز في إسرائيل، لكنه لم ينتج بعد أي غاز منذ اكتشف في العام 2010.
وقد استثمرت الشركات بالفعل 3.75 مليارات دولار في المرحلة الأولى من تطوير الحقل الذي يوصف بأنه "أكبر مشروع للطاقة في تاريخ إسرائيل"، ويتوقع مراقبون أن يبدأ في الإنتاج رسميا العام المقبل.
في مقابل وجهة النظر الإسرائيلية، يبدو منطق القاهرة من هذه الصفقة أقل وضوحا، فبمجرد أن تتمكن مصر من تأمين احتياجاتها من الغاز –وهو ما يرجح أن يقع بحلول العام 2019 - فإن الغاز الإسرائيلي، كما يرى محللون، يتوقع أن يكلف أكثر من الغاز المصري بسبب التكاليف الإضافية لاستيراده.
ومن المحتمل أن يعاد تصدير الغاز الإسرائيلي من مصنعي تسييل يقعان في بلدتي "إدكو" و"دمياط" المصريتين، وهما المنشئتان الوحيدتان من هذا النوع في شرق البحر المتوسط.
"سجلت هدفا"
وكانت هذه على ما يبدو رؤية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن عندما تم الإعلان عن الصفقة أول مرة أن مصر "سجلت هدفا.. أصبحنا مركزًا إقليميًا للطاقة، كل الغاز القادم من جميع أنحاء المنطقة سوف يأتي إلينا".
لكن هناك أيضا اعتقاد واسع النطاق بين خبراء الطاقة أنه لن يمر وقت طويل قبل أن تكتشف مصر أيضا المزيد من الغاز، وسوف ترغب بالتالي في استخدام القدرة المحدودة لمحطات الغاز الطبيعي المسال لديها لتصدير منتجاتها الخاصة.
وبالنظر إلى أن الأساس التجاري للصفقة الحالية غير معروف، فمن غير الواضح ما الذي ستستفيد منه مصر أكثر: تصدير غازها الخاص أم إعادة تصدير الغاز الإسرائيلي؟
وقد عبر محللون مصريون عن رفضهم للصفقة الحالية، حيث يرى المحلل السياسي خالد فؤاد، الذي يشتغل حاليا في المعهد المصري للدراسات في إسطنبول أن "الصفقة لا تخدم مصر ولا أمنها القومي بأي شكل من الأشكال. فهل تحتاج مصر للغاز الطبيعي؟ الجواب هو.. لا".
ويرجح فواد أن تكون الصفقة "خاصة" رغم أن السياسيين من كلا الطرفين يشيرون إليها على أنها صفقة بين حكومتين.
وتعليقا على تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الأموال المتربتة عن الصفقة "ستستثمر لتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليم للإسرائيليين"، يعلق فؤاد قائلا "نحن بحاجة لنفس الشيء في مصر.. لدينا الكثير من القطاعات التي تحتاج إلى تطوير، لكننا نعطي إسرائيل هدية مقابل مكاسب بسيطة".