بعد سنوات من الفراغ وركود حركة السوق وإقفال عشرات المحلات وصرف مئات الموظفين، عاد نبض الحياة مجدداً إلى الساحة بعد سنتين ونصف من الغيبوبة التامة. هذه المنطقة التي شهدت أصلاً مرحلة موت عميق منذ العام 1975 حتى العام 1990، قبل أن تنفض غبار الحرب عنها وتعود إلى سابق عهدها في الخمسينات حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي.
قبل أن تتخذ إسمها الحالي ساحة النجمة في منتصف التسعينات، بعد ترميمهما وشوارع أخرى في وسط بيروت، كان يُطلق على هذا الشارع إسم ساحة البرج، نظراً لبرج الساعة الذي بناه العثمانيون في وسط الساحة وأصبح مع الوقت رمزاً لبيروت ولمجلس النواب المقابل له.
حتماً الجيل الجديد بغالبيته لا يدرك أية معلومات عن تاريخ هذه الساحة وشوارعها المحيطة بها، إذ توقف الزمن عند أبناء جيل الستينات وما فوق.
لم تكن ساحة النجمة عبارة عن سوق للتبضع فحسب، وإنما كانت عاصمة للثقافة في لبنان، إذ ضمت عدداً من المسارح وصالات السينما، كما أن الشوارع المحيطة بها إحتوت على أهم الصالات والمسارح أيضاً إلى جانب الكباريهات التي هي اليوم بمثابة "نايت كلوب".
عام 1965، على سبيل المثال أنشأ الممثل الكبير الراحل حسن علاء الدين الملقب بـ"شوشو" مع المؤلف المسرحي نزار ميقاتي الوطني في العام 1965. و في كتابه "بيروتنا" يقول المؤرخ مختار عيتاني إن شوشو وميقاتي حولا صالة سينما "شهرزاد" التي كانت تعاني من ركود في العمل إلى مسرح يومي، وكوَّنا فرقة له بطلها ونجمها شوشو نفسه، الذي كان يكثف من عطائه ويضاعف من طاقاته لتتوالى العروض المسرحية على خشبة "المسرح الوطني" إذ وصلت إلى 24 مسرحية. شارك في هذه المسرحيات نجوم من لبنان ومصر مثل نيللي، سمير غانم، حسن مصطفى، هالة فاخر، وبديعة مصابني.
على مقربة من المسرح الوطني كان يقع مسرح "التياترو الكبير" أفخم مسارح بيروت وأرقاها أيام العز، كان يشبه بفخامته مسرح "الأوبرا" في فرنسا. افتتحت صالته بعروض مسرحية عام 1929 لفرقة ماري بل وشارل بواييه كذلك استقطب عمالقة الغناء والطرب العربي الأصيل لإحياء حفلاتهم في رحابه، حيث غنّى فيه كلٌّ من أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب للمرة الأولى في بيروت. كما قدم عميد المسرح العربي يوسف وهبي عدة عروض مسرحية مع فرقته.
كذلك اشتهر في حقبة الخمسينات حتى منتصف الستينات مسرح "فاروق" الذي كان عبارة عن كباريه يغني فيه النجوم وتحيي سهراته راقصات شرقيات ومونولوجيست مثل الراحلة فريال كريم وإبراهيم مرعشلي وغيرهم، بشرط أن هذه الساحة لم تكن تنام بتاتاً ونشاطها يمتدد طوال الـ24 ساعة بحسب عيتاني في كتابه.
أمّا الباحث التاريخي المتخصص في تاريخ بيروت، حسان حلاق، وفي حديث لموقع "الجديد" يقول إن شوارع كثيرة إشتهرت في وسط بيروت كانت متفرعة من ساحة النجمة مثل "سوق الطويلة، وسوق آياس والحدادين والهال وسرسق"، لم يبق من هذه الشوارع سوى الأسماء حتى الأسماء تغيّرت بمعظمها.
أما عن أبرز الشوارع التي اشتهرت في ساحة النجمة بحسب حلاق فهي:
سوق البازركان أهم سوق في بيروت ولبنان حتى في تلك الفترة كان يجتمع فيه البيارتة وسواهم من اهل الجبل لشراء حاجياتهم لا سيما الاقمشة وادوات الخياطة. كما كان يقصده أثرياء سوريا ومصر والعراق والأردن وغيرهم للتبضع منه.
سوق العطارين: غرب الجامع العمري الكبير تحت القناطر الحالية لشارع الجامع، وكان يباع فيه جميع مستلزمات العطارة ومشتقاتها، وانواع عديدة من الوصفات الطبية العربية المتضمنة الاعشاب والسوائل الطبية.
سوق الصاغة: كان يقع في سوق البازركان. تمركز في هذا السوق باعة الصاغة والمجوهرات وكان مقصد البيروتيين وبعض اللبنانيين.
(الجديد – ربيع دمج)