ناصر شرارة – الجمهورية
يواجه «حزب الله» لحظة مربكة وشديدة التعقيد، ففيما تستعدّ قيادتُه وجزءٌ واسع من جسمه التنظيمي لإدارة حملته الانتخابية استعداداً لموقعة 6 أيار، فإنّ جسمه العسكري والأمني الأصيل والاحتياطي يستعدّ لاحتمال مواجهة حرب إقليمية في سوريا وقد تتدحرج تداعياتُها لتمتدّ الى لبنان.
بكلام آخر يجد «حزب الله» نفسه في مواجهة مع كل الاحتمالات الصعبة التي كان احتَسَب لها، وظنّ أنه سيواجهها في توقيتات مختلفة، ولكنّ التطورات الداخلية والخارجية تضافرت لتضعه أمام روزنامة تفرض عليه مواجهة معركتين في آن معاً، أي معركة انتخابية وسياسية في لبنان، وأُخرى عسكرية وإقليمية في سوريا، وذلك في توقيت واحد.
السؤال الذي يطرحه مراقبون إزاءَ هذا المشهد هو: هل تلغي «المعركة الاقليمية ـ الدولية العسكرية» في سوريا، في حال اندلعت، «المعركة الانتخابية اللبنانية»؟ أم أنّ الحزب سيضطر الى خوض المعركتين في توقيت واحد، بمعنى أنه في الوقت الذي يواجه فيه حرباً أميركية ـ غربية – إسرائيلية ضده في سوريا، سيكون عليه إدارة معركة إنتخابية في لبنان وصفَها الأمين العام السيد حسن نصرالله بأنها مهمة وأنّ هناك سفارات خارجية تشرف على إدارتها بغية تسجيل نتائج إنتخابية – سياسية فيها تؤشر لضعف الحزب.
توقّع أن يخوض الحزب معركتين في آن معاً، مرتفع الإحتمالية، نظراً لوجود سيناريو ترجّحُه مصادر ديبلوماسية مؤدّاه أنّ ادارة الرئيس دونالد ترامب ستتبع في ضربتها لسوريا نموذج ما فعلته في اليمن وليس في ليبيا.
ففي ليبيا تمّ توجيه ضربة واحدة أسفرت عن تداعي نظام القذافي، أما في اليمن فتمّ توجيه سلسة ضربات بين الواحدة والاخرى فترة زمنية قصيرة، واستمرت لأسابيع. وترجيح نموذج اليمن في سوريا، يعني أنّ الضربات الاميركية ستستمرّ حتى الى ما بعد 6 أيار، والهدف من ذلك ليس فقط إستنزاف الجيش السوري، بل في الأساس إستنزاف الوجود العسكري للحزب وإيران، بحسب معلومات محور دمشق.
وعليه فإنّ المرجّح أن يجد الحزب نفسه في مواجهة اضطراره لإدارة معركتين في وقت واحد: الأولى إنتخابية في لبنان، والثانية عسكرية صعبة هدفها استنزافه هناك وإزاحته وإيران عن سوريا.
هل سيكون في إمكان الحزب إعلان الاستنفار العام لجسده الانتخابي والتعبوي وجسده العسكري والسياسي في آن معاً؟ وماذا سيكون ثمن ذلك عليه؟
تقدّر مصادر متقاطعة عددَ عناصر الحزب المشاركين في الحرب السورية بـ 7500 عنصر، في مقابل أنه يوجد لإيران 20 ألفاً وألفا استشاري. ويخدم عناصر الحزب في سوريا بنية لوجستية تقدّر بضعفي مقاتليه هناك. فيما بنية ماكينة الحزب الانتخابية في لبنان تقدّر بالآلاف.
اما مقاتلوه وعناصر التعبئة فهم يتجاوزن الثلاثين ألفاً. ومنذ أيام عدة متزامنة مع بدء التصعيد الاميركي في سوريا، ومع اقتراب موعد الانتخابات في لبنان، فإنّ كل هذه البنية المشار اليها أعلاه اضافة الى القوى الاحتياطية أصبحت في حال إستنفار عالية المستوى، وذلك لمواجهة احتمال ضربة عسكرية في سوريا قد تنزلق تداعياتُها الى لبنان، ولتأمين البنية اللوجستية للمعركة الانتخابية فيه.
وترصد محافل معنيّة بتخمين تصرف الحزب في حال وقعت الضربة الاميركية كل إشارة تصدر عنه في هذا المجال، فمثلاً هناك انتظار لمعرفة ما إذا كان السيد نصرالله سيلغي إطلالاته التلفزيونية المخصّصة لبذل جهد شخصي للمساهمة في إدارة حشد الصوت الشيعي على نحوٍ يُثبت ولاءه لـ«حزب الله» وكسر ما يعتبره محاولات خارجية لإظهار أنّ البيئة الشيعية تنفكّ عنه، واستدراكاً ما إذا كان نصرالله سيستمرّ شخصياً في مواكبة الانتخابات أم سيتفرّغ لإدارة الاستنفار العسكري والسياسي والأمني الراهن على الساحتين السورية واللبنانية. وقد تسرّب لهذه المحافل تقدير موقف للحزب يفيد أنه لا يستطيع تسجيل خسارة بحقه في أيّ من المعركتين العسكرية في سوريا والانتخابية في لبنان.
ويفيد هذا التقدير، كما سرّبته مصادر قريبة منه خلال الساعات القليلة الماضية، الآتي:
ـ أولاً، لدى السفارات المعنيّة هاجس حول معرفة ما إذا كانت الضربة الأميركية التي ستطاول إيران و»حزب الله» في سوريا والجيش السوري، سيواجهها «حزب الله» برد من لبنان ضد إسرائيل. ويبدي الحزب ميلاً لعدم التبرّع بالإجابة على هذا السؤال كون بقائه غامضاً يُعتبر جزءاً من أوراق الحرب الرابحة في يد محوره.
ـ ثانياً، إسرائيل خلال الاسابيع الماضية انتقلت من سياسة الرسائل ضد الحزب وإيران في سوريا الى سياسة «هجومية» لها هدفان:
1- تهديد العالم بأنّ عدم الاستجابة لمطلبها في سوريا حول الوجود الإيراني قد يؤدّي الى حرب إسرائيلية ـ إيرانية في سوريا تهدّد أمنَ المنطقة.
2- إعتماد إسرائيل مبدأً جديداً وهو القيام بهزٍّ مستدام للاستقرارالعسكري الإيراني في سوريا، لمنع «توطيده»، وهو تجرُّؤ إسرائيلي مستجدّ، في رأي إيران، وستردّ عليه حتماً.
وترى هذه المصادر أنه حتى حصول تبدّلات جوهرية حول الضربة الأميركية، فإنّ كلّاً من إيران و»الحزب» سيردّان على استهدافهما في سوريا انطلاقاً من سوريا وليس من لبنان. وحتى داخل الوسط الديبلوماسي في لبنان ظهر تحليلٌ يفيد أنّ الضربة الأميركية في سوريا لن تؤدي بالضرورة الى إلغاء انتخابات لبنان طالما ظلّت محصورة هناك، وأنّ تزامنَ المعركتين الانتخابية والعسكرية بالنسبة الى «حزب الله»، سيقدّم له نوعاً من عرض «العصا» عليه في سوريا و«الجزرة» الانتخابية في لبنان. بمعنى آخر: إذا فضّل الحزب النأي بنفسه في لبنان عن الضربة الأميركية ضد إيران في سوريا وتفرّغ لمصلحة معركته الانتخابية في لبنان التي ستعطيه أفضليات سياسية كثيرة في بلده، فإنّ الغرب سيغضّ الطرفَ عن مكاسبه الانتخابية طالما أنه تقيّد بقواعد الفصل بين الساحتين اللبنانية والسورية.