جوزف الهاشم – الجمهورية
تتكاثر المخاوف هذه الأيام بفعل ما يتأجَّج في المنطقة والعالم الخارجي من أن تؤدي الضربة الأميركية المحتملة على سوريا الى حرب دولية، ، كمثل ما وُصِفَتْ إحدى معارك نابوليون بحرب العشرين أمّة.
ولأنّ حروب الدول تختلف عن الأستعراضات… ولأنّ الدول المحاربة لا تُرسلُ علْماً وخبراً الى الدول المستهدفة، كما هي حال المبارزة بالمسدسات في أفلام رعاة البقر، يستغرب المراقبون كيف يُطلق راعي رعاة البقر الأميركي نفير الإنذار الحربي، ما دامت «الحرب خدعة» على ما يقول النبيّ:
لعلّ ما يبرِّرُ المخاوف هو أنّ الحروب في المطلق تصبح مهيّأة:
عندما تكون المناخات الدولية ملبّدة بالأجواء المضغوطة…
وعندما تتفاقم النزاعات فتستهوي نزَعات التوسع الجغرافي والسياسي وإلاقتصادي…
وعندما تتبعثر الكيانات الصغيرة فتتنافس الشهيات في احتوائها ضمن خرائط جغرافية جديدة…
وعندما تعمّ التعبئة الشعبية المسلحة، فتنتقل بالعدوى من دولة إلى دولة، ومن شعب إلى شعب ليحلّ سلاح آلة الفوضى محل سلاح آلة الدولة…
وعندما يفلِتُ الزمام من قبضة الأمم المتحدة والشرعية الدولية التي من شأنها ضمان حقوق الدول الصغرى وحمايتها من طغيان الدول الكبرى التي تنساق وراء جشع المصالح وحقارة المادة على حساب حياة الشعوب وحقوق الانسان.
حتّى إنّ نظرية أحد السفراء لم تَصْدُقْ في وصف الأمم المتحدة: «بأنّها خُلِقَتْ لتمنعك من الذهاب الى جهنّم لا لتأخذك الى الجنّة…»
نعم… تعْلَمُ القوى الدولية أنّ الحرب في هذا الجوّ العالمي المحموم، قد تؤدي الى نتائج «شمشونية»: عليَّ وعلى أعدائي يا ربّ، فتقف حيالها مختشية بالتهيُّب والإنكفاء، ولكنّ إندلاع الحروب يخرج أحياناً على إرادة المحاربين.
الحرب العالمية الكبرى بدأت شرارتها الأولى عندما ألقى طالبٌ من صربيا قنبلة على الأرشيدوق فرنسيس فردينان إبن شقيق أمبراطور النمسا، ففجّرتْ تلك القنبلة أزمة مراكش بين فرنسا وإلمانيا، وأزمة البلقان بين إلمانيا وروسيا، وأزمة طرابلس الغرب بين إلمانيا وإيطاليا، وأزمة حرب البلقان بين تركيا والعرب.
والحرب العالمية الثانية كان تعقيد الحلول فيها سبباً في تعقيد الأزمات الجانبية بين: إلمانيا والنمسا، وبين الإتحاد السوفياتي وبولونيا وفنلندا، وبين أميركا واليابان.
وإذا كان لكل حرب هدفٌ تجنِّدهُ الدول القادرة في خدمة مصالحها، فقد كانت الحرب العالمية الكبرى مرتبطة برغبة دول أوروبا العظمى في توسيع نفوذها الى مناطق تشكّل أسواقاً لتصريف المنتوجات، وكانت الحرب العالمية الثانية مرتبطة بما سُمِّيَ: «المدى الحيوي» أو الحرب الى المَّمرات.
نحن في لبنان، كانت عندنا ايضاً حروبٌ تندلعُ من شرارة… فكان إغتيال الصحافي نسيب المتني مدخلاً الى حرب 1958… وكان إغتيال النائب معروف سعد مدخلاً الى حرب 1975… وكان خطف جنديّين إسرائيليّين مدخلاً الى حرب 2006 مع اسرائيل.
ولكنّ الحروب في لبنان كانت تندلعُ ضدّ مصالحنا السياسية والإقتصادية، ولم تكن مرتبطةً بأَيِّ «مدىً حيويّ» بل كانت كلُّ حربٍ عندنا هي حرب «المَّمرات» الى الحرب.
على أيّ حال، ما دامت الحروب مرتبطة بالمصالح فلا تخافوا اليوم من الحرب، لأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهدى الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد إنتخابه رئيساً، حصاناً أبيض اصيل ألنَسل تُقدّر قيمتهُ بعشرة ملايين دولار أميركي، فيما بادَلَهُ الرئيس ترامب بأسهمٍ عالية الثمن من أحد الفنادق التي يملكها في نيو يورك.
اذاً … إتَّكلوا على الهدايا ولا تخافوا.