إذا كان من الثابت أن الاستقلال يكرس أوطانا، فإن ذكرى الاستقلال لا تنتج حكومات، أو على الأقل هذا ما بدا في اليوم الاحتفالي الطويل، وبالرغم من المشهد الجامع سواء في العرض العسكري أم في القصر الجمهوري، غير أن قديم مشاورات التأليف ظل على قدمه، وهذا ما أكده الرئيس المكلف حين قال: الحل ليس عندي.
وكان الرئيس بري استبق لقاء بعبدا بالقول: "إن الصمت سيد الكلام هذه الأيام"، مسترشدا بالفنان العالمي تشارلي تشابلن.
وحده الوزير جبران باسيل قال ردا على سؤال حول امكانية ولادة الحكومة: إن شاء الله قبل الأعياد.
وكما كان الغياب الجنبلاطي عن حفل الاستقبال ليس بجديد، فإن تلافي الرئيس الحريري مصافحة السفير السوري ليس بجديد أيضا.
وفي مقلب آخر، كان نشطون من المجتمع المدني ينظمون تظاهرة احتجاجا على تردي الأوضاع، ترفع شعارات محاسبة الفاسدين وإلغاء الطائفية، عل وعسى يصل الصوت.
وفي الخارج، لفت مساء إعلان السعودية عن مغادرة ولي العهد محمد بن سلمان المملكة أول مرة بعد قضية الصحافي جمال خاشقجي، للقيام بجولة عربية، بالتزامن مع تصاعد الغزل الترامبي بالمملكة والشراكة معها.
بالعودة إلى لبنان، نهار الاستقلال مر على اللبنانيين، ولا سيما على أهالي تلامذة المدرسة الحربية، منغصا بل صادما، فقد كان ثلاثة من تلامذة المدرسة الحربية على موعد مع القدر المترصد دوما على امتداد طرق لبنان.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أن بي أن"
الاستقلال الماسي حل على لبنان في أجواء تعبق بنفحات وطنية، بدت علائمها في العرض العسكري في بيروت، كما في حفل استقبال المهنئين في القصر الجمهوري.
كان ينقص المشهد ليكتمل، وجود حكومة كاملة الأوصاف يقف رئيسها- مسقطا عنه صفة التكليف- بجانب رئيسي الجمهورية ومجلس النواب. لكن في عيد الاستقلال بذكراه الخامسة والسبعين، كانت الحكومة ما تزال تبحث عن عيد ولادتها، من دون أن ترصد أي "قابلة" سياسية علامات طلق تؤذن بقرب الحدث السعيد.
حتى الخلوة الرئاسية الثلاثية التي عقدت على هامش التهاني في القصر الجمهوري على مدى عشرين دقيقة، أعلن بعدها الرئيس بري: "ما في جديد أبدا"، وذلك ردا على سؤال للـNBN عن مساعي تشكيل الحكومة.
وفي مواقف له أمام زواره، أكد رئيس المجلس ألا جواب عنده حول اتجاه الأمور حاليا في ما يتعلق بالملف الحكومي، وقال: "الآن رقدوها وهمدوها... يمكن عم يرتاحوا".
الرئيس بري أسف لأنه تم تجاوز الطرح الذي قدمه للوزير جبران باسيل، وقال: طبقوا هذا المخرج كما يريدون، وأنا من جهتي لا أخجل بالمخرج الذي طرحته.
وعلى ذكر باسيل، فإنه كان أحد نجوم من أحاطت بهم مفارقات في قصر بعبدا اليوم، إذ انضم الى الرؤساء متلقيا التهاني، وخصوصا لدى مرور ممثلي البعثات الديبلوماسية، وذلك في سابقة غير معهودة. أما لدى مرور السفير السوري فانسحب الرئيس الحريري لتجنب مصافحته، في تصرف يتكرر للسنة الثانية على التوالي.
وإذا كان المراقبون قد حرصوا على رصد أي إشارة بين الحريري وأعضاء "اللقاء التشاوري"، فإنهم فشلوا في هذا المسعى، ذلك أن النواب الستة صافحوا من يرفض توزيرهم بطريقة عادية: لا تهجم ولا ابتسام ولا كلام.
وسأل الصحافيون الرئيس المكلف قبل مغادرته قصر بعبدا عن النواب المستقلين فأجاب: "مستقلين عن مين"، رافضا إعلان نيته استقبالهم أو لا، وقائلا: "الموضوع مش عندي".
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "المستقبل"
كل استقلال وأنتم بألف خير. لكن يعرف اللبنانيون انه استقلال ناقص، بلا حكومة. رغم ذلك توزعت الاحتفالات باليوبيل الماسي لاستقلال لبنان، بين القصر الجمهوري في بعبدا حيث الاستقبال الرسمي، والعاصمة بيروت حيث العرض العسكري الرمزي.
وكان في البال تعطيل الحكومة، ويعرف اللبنانيون جيدا من هو المعطل. الرئيس المكلف سعد الحريري قال من بعبدا إن الحل ليس عنده، وردا على سؤال عن النواب سنة "سرايا المقاومة"، سأل الحريري: هم مستقلون عن من يا ترى؟.
وفي هذا الاطار، لفتت مصادر معنية إلى ان صفة الاستقلالية لا تنطبق على هؤلاء النواب، خصوصا ان الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله أعلن صراحة انهم ينتمون إلى محوره. فمستقلون عن من؟.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "المنار"
بنصف نهار أحيا لبنان الرسمي عيد الاستقلال، وبخلوة من عشرين دقيقة في بعبدا تكثف الدخان الأسود فوق التأليف، وازداد الواقع تعقدا مع اصرار الرئيس المكلف على رمي مشكلاته في ملاعب الآخرين.
اليوم، حرم اللبنانيون من أقصوصة خبر مفيد في قصة الحكومة، واستمر حرق الأوراق الرابحة وطنيا مع الامعان بابعاد الحلول، وتكبيل طروحات تعبر بلبنان إلى ضفاف العمل السياسي. فهل اعتاد المكلفون عد الأيام المثقلة بالتصريف، وهل قرروا الذهاب إلى العام المقبل من دون تسهيل تمثيل "اللقاء التشاوري" بوزير من حصة السنة في الحكومة؟.
"حزب الله" اعتبر الاستقلال مناسبة وطنية جامعة توجب على اللبنانيين جميعا التكاتف والتوحد والتعاون للمحافظة على الاستقلال بعينه، ومنه على لسان رئيس مجلسه التنفيذي دعوة للجميع لقراءة التاريخ قبل التفكير بأن يكونوا أعداء للمقاومة أو ان يكونوا في خدمة أعدائها.
على جبهة الأعداء، الاحتلال لا يكاد يلوح بتهديد حتى يأتيه الوجع من خاصرته، وجبهته الداخلية تنكشف عجزا وضعفا أمام محور المقاومة يوما بعد يوم، وخصوصا بعد صفعة غزة وتأكيد انجازها ضد عدوان يستمر في القدس المحتلة على أملاك الفلسطينيين، وفي حي سلوان، ادعاء بيهوديته قبل قيام الاحتلال.
في الصورة أيضا، تل ابيب الغارقة في وحول التطورات الكبرى المهددة لها في المنطقة، تتمسك بمعبر عربي يقيها الاختناق التام وبما يوفره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ترتيب زيارات الصهاينة إلى العواصم العربية، ولسبب كهذا تجب حمايته من تداعيات قضية جمال خاشقجي عبر التدخل لدى واشنطن وتخفيف الضغط عليه منعا لاقالته، وفق الاعلام العبري.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أو تي في"
إذا كان عيد الاستقلال الماضي كرس فكَّ أسر رئيس حكومة استعادة الثقة سعد الحريري بعد احتجازه في السعودية، فعيد الاستقلال اليوم كرَّس أسر حكومة العهد الأولى، المستمر منذ الانتخابات الأخيرة، بعدما تأكدت من جديد المعطيات السلبية، الناتجة عن تصلب الفريقين المعنيين بأزمة التشكيل، أقلًه حتى الآن.
لكن، بعيدا من الغوص في التفاصيل، وأبرزها اليوم تجديد الحريري السؤال: السنة المستقلون، مستقلون عن من؟، شكلت الصورة الوطنية الجامعة بين جادة شفيق الوزان وقصر بعبدا، معطوفة على مضامين رسالة الاستقلال الرئاسية أمس، علامة مضيئة في السماء الحالكة، ومنطلقا يبنى عليه لتعزيز الأمل بتجاوز المطب الحكومي الراهن، والانتقال بالبلاد إلى مرحلة تليق بوطن بلغ استقلاله اليوم الخامسة والسبعين، من دون أن يشيخ، علَّها تنقل الرقم 75 في الذاكرة الجماعية اللبنانية من عنوان للحرب والتهديم، إلى خانة الاستقرار والبناء.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أم تي في"
اليوبيل الماسي للاستقلال، لم يكن احتفاليا ولم يكن عامرا بالفرح، بل جاء بطقوسه وكأنه الاستقلال الأخير، فالناس فقدوا ثقتهم بالحكام واستنفذوا كل مخزونات الأمل التي كانوا يخبئونها لمثل هذه المناسبات، ربما لأنهم وجدوا بأن الاستقلال صار كلمة "مبهبطة" اذا ما قيست إلى لمعاني الحقيقية للكلمة.
فالسيادة منتقصة لمجرد القبول باقتسامها مع كيانات غير شرعية، والدستور مشلع بعدما صار رديف المسدس في جيب خارج على القانون، يستخدمه عندما يخدمه ويستودعه عندما لا يصب في مصلحته، والسياسة منتقصة لأن الانتخابات لا تفرز أقلية تعارض وأكثرية تحكم، ومنتقصة لأن تشكيل الحكومات يتم بموجب أعراف متغيرة يفرضها الأقوياء وليس بموجب الدستور، وإسقاطها يتم بحركات انقلابية مقنعة، والجامع بين الأمرين سطوة السلاح، فكان ان صارت الدولة قاب قوسين من الانهيار.
مما تقدم فإننا بتنا نعرف لماذا لم يعد عيد الاستقلال احتفالا وطنيا أهليا جامعا، بل صار احتفالا مقتصرا على الرسميين يفصل بينهم وبين اللبنانيين مربعات أمنية وكلاب بوليصية ومناطق عازلة.
هذا الواقع المأزوم لم يسمح بانتاج حكومات فاعلة متناغمة في السابق، ولم يسمح بتأليف حكومة منذ سبعة أشهر. في يوميات التأليف ازداد الحال سوءا ليل أمس إثر الكلام العالي ل"حزب الله"، ومفاده انه غير متمسك بالحريري "وإذا بدو يفل يفل هيدي مش آخر الدنيا". وقد جاء كلامه معطوفا على اعلان الرئيس بري الاعتصام بالصمت والامتناع عن أي مبادرة تسهيلية.
الموقفان عبر عنهما الرئيس الحريري في قوله في بعبدا اليوم لسائليه عن الحكومة، بأن الحل ليس عنده. فيما أحال الرئيس بري سائليه عن الحكومة، على الرئيس المكلف. فيما جاءت الخلوة الرئاسية الثلاثية في بعبدا بروتوكولية خالية من أي دسم حكومي.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أل بي سي آي"
العيد الخامس والسبعون للاستقلال، عرض عسكري واستقبالات رسمية، لكن في الموازاة مؤشرات مقلقة: حكوميا وماليا، ولا ضوء في الأفق من شأنه أن يبدد هذا القلق.
ماليا، يتحول اجتماع بين رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير المال في حكومته وحاكم مصرف لبنان، إلى العنوان الأبرز، ويصبح محط متابعة لأن الناس والمعنيين يريدون أن يعرفوا كيف ستتدبر الدولة أمر تأمين الأموال. ففي غياب التحويلات، وفي غياب تأخر قروض وهبات "سيدر"، لم يعد في الميدان سوى "قدر" الإستدانة من الداخل، أي من المصارف.
الدولة تريد ان تستدين لتصرف، ومعظم الصرف هدر، سواء على رواتب لموظفين لا يعملون أو على مستحقات تلزيمات أسعارها ملغومة ومضخمة. هذه منطومة خطيرة تحت عنوان: الدولة تتخبط، وآخرة التخبط مد اليد، ولو استقراضا، إلى الإيداعات ليس من أجل تمويل مشاريع منتجة بل من أجل رواتب لموظفين معظمهم غير منتج، وأكثر من ذلك نالوا درجات وزيادة رواتب قبل عملية الاصلاح الإداري، ومن دون تقدير الكلفة الحقيقية لهذه الخطوة التي تمت لاعتبارات ومزايدات انتخابية، أما من قاموا بها فيجب أن يكونوا في موقع الإجابة عن السؤال الكبير: كيف أقدموا على خطوة محفوفة بالمخاطر من دون احتساب ضررها على الاقتصاد اللبناني والمالية العامة؟.
المؤشر الثاني المقلق هو ان تشكيل الحكومة مازال يدور في حلقة مفرغة، والدليل على الأفق المسدود، ما قاله الرئيس المكلف سعد الحريري في دردشة مع الإعلاميين في القصر: "الحل ليس عندي، والنواب السنة المستقلون مستقلون عن من يا ترى؟".
الموضوع الثالث الذي يتابعه اللبنانيون من باب معرفة إلى أين سيصل ملف الفساد، هو موضوع مجرور الرملة البيضاء: اليوم رد من مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان أنها غير معنية. موقفها جاء ردا على تسميتها بالإسم في معرض لائحة الإتهامات، ولكن إلى أين سيصل هذا الملف؟، هل سيسمع اللبنانيون إسم أو أسماء من سدوا المجرور بالباطون المسلح؟، أم أن "المجهول" سيبقى الإسم الوحيد في الملف؟. لننتظر.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "الجديد"
بلغنا من الاستقلال عتيا، ولم نتأهل إلى سن الرشد. بعد هو استقلال المراهقين الذين لا يرون من المناسبة سوى استعراضها العسكري، وبضعة أعلام مرفوعة ومصافحات لا روح فيها، مخفوتة النبض.
خمس وسبعون سنة على يوم الخروج عن فرنسا. ثلاثة أرباع القرن ويوبيل ماسي تتقدمه فرق سياسية نحاسية، بعضها يخاصم بعضه، ورئيس يهرع من سفير. رؤساء ثلاثة كل يرمي الحل على الآخر. وعلى حين سؤال عن موعد إعلان الحكومة، يرد رئيس مجلس النواب نبيه بري: إسألوا الرئيس الحريري، فيما يرمي الحريري الطابة في ملعب رئيس المجلس قائلا: إسألوا الرئيس بري، رافضا الإجابة عما إذا كان سيلتقي أعضاء النواب السنة المعارضين، مرددا: الحل ليس عندي. أما على ضفة رئيس الجمهورية، فالحل أيضا ليس عنده، إذ يؤكد مستشاره النائب الياس بو صعب أننا نحل مشكلة "عند غيرنا".
فالأيادي المرفوعة للمصافحة واستقبال التهاني بالاستقلال، لم تكن مستعدة لأي خطوة تحول الاحتفال إلى عيد وطني حقيقي، يفرج عن اعتقال الحكومة ويحررها من أسر المقعد الواحد. وقد عثر الرئيس المكلف سعد الحريري على مخرج له مرة جديدة لتفادي مصافحة السفير السوري علي عبد الكريم علي، وذلك عبر استقدام "مخلص" انتشله من حرج السلام، لكنه في الوقت نفسه لم يكن مستعدا للبحث عن مخرج يفك "ضيقته الحكومية" المحصورة باعتراف واحد.
ولدى الاطلاع على مفردات ومواقف عبر التاريخ الحديث للحريري، سنجد أنه من أرباب سوابق في الدعوة إلى "التضحية" وتقديم التنازلات، وتقدير الوضع الاقتصادي الخطر للبنان، وإنقاذ أموال مؤتمر "سيدر"، والتخلي عن الأنانيات السياسية. وهو أيضا من وقف على خاطر وليد جنبلاط أشهرا خمسة، وفاوض سمير جعجع المدة نفسها، وظل على خط استواء مع "التيار". وقدم غطاسه قربانا للتأليف، ولم يدل بخطاب واحد إلا وكانت حكومة الوفاق الوطني رفيقة الكلمات.
مئة واثنان وثمانون يوما، والحريري يعلمنا دروسا في التضحيات، لكن عداد التنازل توقف لدى توزير النواب السنة المعارضين. وهو اليوم رفض تسميتهم "المستقلين" سائلا: "مستقلين عن ماذا يا ترى؟". فسمهم ما تشاء: معارضين، مستقلين، نواب سنة خارج "المستقبل"، نواب 8 آذار، أو نواب "حزب الله"، أو على أبعد تقدير هم مكون مصطنع هجين، لكنه موجود وبأصوات ناخبين مسجلين على لوائح الشطب، انتخبهم ناسهم، وتم "إنتاجهم" من محصول قانون نسبي أتاح التنوع الطائفي والسياسي.
أرقامهم لم تأت "بسحب التومبولا" ولا هي ورقة يانصيب، لا بل جاورت أرقام الحريري نفسه، حيث يربو عبد الرحيم مراد على خمسة عشر ألف صوت، وجهاد الصمد على اثني عشر ألف صوت، على سبيل الأرقام، وإذا كانت المعركة في العد، فإن نائب "حزب الله" أمين شري حصل ثلاثة وعشرين ألف صوت في بيروت مسقط أصوات سعد الدين رفيق الحريري الذي كان معدله عشرين ألفا.
وهذه الحواصل لا تمنح الحريري حق الاستئثار والحصرية في التمثيل حتى بيروته، ليست له وحده وعليه "نعم الحل عنده.. وليس له أي فرع آخر".