كان التوتر الأخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري مختلفاً عن التوترات التي شهدتها العلاقة بينهما سابقاً. الكلام الغاضب الذي قاله الرجلان في مجالسهما ولقاءاتهما بحق بعضهما البعض كان مرتفع النبرة، خصوصاً أن الحريري لم يقبل بهذا الكلام (من نوع "الحكومة غائبة عن الوعي") ما دفعه إلى اتخاذ مواقف مرتفعة السقف نسبياً، نُقلت عبر بعض الوسطاء السياسيين الذين عملوا على معالجة الأزمة. بدأ الإشكال في لقاء الرجلين كل على حدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. طلب الحريري من الرئيس الفرنسي مساعدته لإقناع "العهد" بوقف العراقيل والخلافات التي تؤدي إلى تعثر المشاريع. وعندما فاتح ماكرون عون بالأمر، لجأ عون إلى شنّ هجوم عنيف على الحريري أمام الرئيس الفرنسي.
الهجوم انعكس على العلاقة بين الطرفين، وتفاقم الأمر في الحملة العنيفة التي شنّها نواب التيار الوطني الحرّ ضد سعد الحريري ووالده رفيق الحريري. الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى إبلاغ عون أنه لم يعد يحتمل هذا النوع من الأساليب، و"هذه المرّة لن تكون كما غيرها". بعض الأوساط القريبة من الحريري اعتبرت أنه لن يسكت على هذه الحملة، ولن يمررها ساكتاً كما في السابق، ولو اقتضى ذلك الرحيل عن رئاسة الحكومة. وبدأ في الكواليس كلام عن تكرار تجربة رفيق الحريري في العام 1998 وخروجه من رئاسة الحكومة وذهابه إلى المعارضة. الأمر الذي دفع كل خصومه إلى الركض خلفه مطالبين بعودته لحاجتهم إليه.
حزب الله يتدخل
قرر سعد الحريري إلغاء اللقاء مع الوزير جبران باسيل في مركزية تيار المستقبل. الأمر الذي دفع حزب الله إلى التدخل، عاملاً على تهدئة الخلاف وتخفيف حدّة التوتر. فأجرى الحزب اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع الحريري من جهة، وقصر بعبدا من جهة أخرى، تحت شعار وعنوان أساسي، أن لا بديل عن سعد الحريري، ولا يمكن لغيره أنه يكون رئيساً للحكومة في ظل هذه الظروف، وأي خطأ في الحسابات سيؤدي إلى وضع لبنان في عزلة إقليمية ودولية.
يعرف حزب الله أن وجود الحريري يشكل مظلة للاستقرار، وبحال استقالته أو تطيير حكومته، فإن ذلك سيؤدي إلى دخول البلاد بحالة تعطيل، وسط موجة العقوبات والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولا أحد سيكون قادراً على تشكيل حكومة.
تدخّل حزب الله أدى إلى تبريد الأجواء بين بعبدا والسراي والحكومي، وهو الذي دفع بباسيل إلى زيارة بيت الوسط للقاء الحريري، وتهدئة الأجواء بدلاً من الاستمرار بالتشنج. ويعتبر الحزب أن الحريري يوفر مصلحة كل القوى اللبنانية في هذه المرحلة. كما أن كل لبنان سيكون قادراً على الاستفادة من مؤتمر سيدر أو من أي مساعدات قد تأتي وتوفر مداخيل مالية بدلاً من الشح الذي تعانيه مختلف البيئات الاجتماعية، لا سيما في ضوء العقوبات.
روحاني، ترامب، ماكرون
هذا التفاهم، يُراد له حالياً أن يكون انعكاساً للاتصالات غير المباشرة المتبادلة بين السعودية وإيران. ولذلك كان المقربون من الحزب في طليعة المدافعين عن الحريري بوجه الحملات التي يتعرض لها. ولطالما كان لبنان ساحة إما للتصارع أو للتحاور بين السعوديين والإيرانيين. وبما أن الصراع يتفجر في أكثر من ساحة، فإن لبنان منذ 2016 هو ساحة التواصل، بفعل التسويات التي حصلت. وبالتالي فإن الوقائع السياسية المحلية، لا تنفصل عن المحاولات المتعددة التي تقوم بها جهات دولية عديدة لإيجاد منافذ للدخول في حوار سعودي إيراني قريب.
ثلاث قوى تعمل على توفير مناخات الحوار السعودي الإيراني، وهي نفسها تعمل على إطلاق الحوار الإيراني الأميركي، سويسرا وفرنسا والعراق. الرئيس الإيراني حسن روحاني أطلق من الأمم المتحدة موقفاً تضمن بعض التغيير لصالح الأميركيين بالإعلان عن الاستعداد لإدخال بعض التعديلات على الاتفاق النووي. عندها تنشّط الحراك الفرنسي لتأمين الحوار الإيراني - الأميركي، وطلب ماكرون من روحاني الانتقال إلى مكان آخر لإجراء اتصال آمن بدونالد ترامب. رفض روحاني ذلك قبل الحصول على تنازلات أميركية بشأن العقوبات. بينما كانت الجهات المبادرة قد وصلت إلى أربع نقاط تشكل منطلقاً للحوار: تأكيد إيران التزامها بالاتفاق النووي، والتراجع عن اجراءات تقليص الالتزام، التعهد بعدم امتلاك سلاح نووي، ويكون الاتفاق طويل الأمد، وفق ما يطالب الأميركيون لرفع الحظر عن بيع السلاح الإيراني، وهذا لا تمانعه طهران حالياً، والنقطة الرابعة هي رفع العقوبات بشكل فوري عن إيران. وعلى هذه النقطة حصل الخلاف.
ما بين الرياض وطهران
لا تشمل هذه النقاط أي اقتراب من الصواريخ الباليستية. وهذا ما دفع السعودية إلى فتح قنوات التواصل، وصولاً إلى موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باستعداده لوقف الحرب منعاً لتهديد الاقتصاد العالمي، بينما الحوثيون كانوا يقدمون مبادراتهم بوقف استهداف الأراضي السعودية. بانتظار أن يستعاد التفاوض في المرحلة المقبلة.
وتتحدث بعض المعلومات عن أن هناك رسائل سعودية إيرانية متبادلة، للبحث في الملفات الأساسية. أولوية السعودية هي الملف اليمني. إذ يحرص على عدم الخروج بتسوية تظهر خسارته. أما لدى الإيرانيين فهناك اهتمام بالملف البحريني، وضمان حماية القوى الحليفة لهم. الموضوع السوري لن يكون على طاولة البحث بين الطرفين، أما لبنان فالطرفان يحرصان على إبقاء الاستقرار فيه، والحفاظ على التسوية. فيما يخص العراق، فإن إيران لن تتخلى عن نفوذها هناك، بينما السعودية تحرص على أن يكون لها دور على الساحة العراقية.
بأي حال، يبقى لبنان تحت مظلة الاستقرار في ظل هذه الظروف، ويبقى الحريري حاجة في موقعه وضرورة لمختلف القوى.
منير الربيع - المدن