تنأى "عين التينة" بنفسها عن الأجواءِ العاصفةِ التي تلفح "بعبدا" و"السرايا"، ويجلس الرئيس نبيه بري كعادته بانتظار الـ "الو" الرئاسية أو طلبِ موعدٍ طارئٍ من رئيس الحكومة سعد الحريري للتدخّل، إذ اعتاد رئيس المجلس النيابي على دورِ "الاطفائي" ولاسيما عندما تهدِّد نار التصريحات التسوية الرئاسية "المُركَّبة" على حبالِ التناقضات.
يعرف بري، أنّ أمورًا كثيرة تساعده حتى يكون "رجل المهمات الصعبة" بالنسبة الى خصومه كما حلفائه، إذ أنّ باعه الطويل في العمل السياسي سمح له بتراكم الكثير من التجارب التي قادته حكمًا نحو "النفس الطويل" في مقاربةِ الأمورِ، على عكس "حديثي الولادة" في السياسة، الذين لا يسعفهم لسانهم فينزلقون بسرعةٍ نحو مواقفٍ تطيح بالتفاهمات المبنيّة في الأساسِ على أرضية هشّة.
بلع بري كلام باسيل المُسيء بحقّه، وأرغم العهد على دفع الكثير من الفواتير لتسديدِ ثمن تلك الإساءة وخرج بعدها رئيس التيار الوطني الحر من "لقاءِ الخير" في عين التينة مستعينًا ببعض "أفشات" رئيس المجلس كي يقول، أنّ "فنّ اللقاء هو أفضل من استراتيجيات الصراع".. وهكذا "يُقرش" بري المواقف على قاعدة "فنّ الاستيعاب"، لتركيبةٍ قائمة على الصفقات ويعتبر أنّ تحويل عين التينة الى "مركز مصالحات" يعزِّز حضورها الفاعل داخل تلك التركيبة، على غرارِ ما فعله من قبل بين "الاشتراكي" و"الوطني الحر" ومعه النائب طلال ارسلان، إذ أقنع صديقه النائب السّابق وليد جنبلاط بزيارة بعبدا رغم أنّ الأخير كان يرغب بأن تكون عين التينة الراعية الحصرية لهذا اللقاء.
كما أنّه بادر الى اقناعِ حزب الله بالجلوس مع "الاشتراكي" لترتيبِ الأمور وتنظيم الخلاف وهذا ما حصل، واليوم يوسِّع الرئيس بري دائرة اتصالاته لردمِ الهوة التي حصلت في الأيام الماضية بين "المستقبل" والتيار الوطني الحر، وأبعد من ذلك يرصد بري الحركة الخارجية وموقفها من التسوية والحكومة ويفضِّل البقاء على الحياد لتبيان حقيقة التطوّرات الجارية ولاسيما تحريك الشارع اليوم تزامنًا مع ما يجري في العراق، إضافة الى مضاربات السوق وأزمة صرف الدولار واستنفار القطاع المنتج، كلها عوامل تدفع بعين التينة الى التريث منعًا لأي خطوة خاطئة لم يعتد عليها الرئيس بري المراقب للتغيرات التي قد تطيح بالتسويات المعقودة، وفي مثل هذه الحالة لا بدَّ من حفظِ "الرأس" تحت قبة البرلمان.
بري الذي ذكر رئيس الجمهورية بالاجماع الذي حصلت عليه "ورقة بعبدا" الاقتصادية، سارَع الى تلقف كرة "التأخير" من بوابةِ "تفعيل هيئة الطوارئ الإقتصادية"، التي يمكن أن يكون لعين التينة حصّة من أعضائها، وهو بذلك يسحَب البساط من الارض الرئاسية، معلِّلاً السبب الى "فشلها" في تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه، ويطرَح في الوقت نفسه الحلّ عبر الهيئة التي أشار اليها، ولم يكتفِ بري بهذا الشقّ بل صوَّب على "الكهرباء والغاز"، والمماطلة الجارية بتنفيذِ ما تمّ الاتفاق عليه في بعبدا حول هذا الموضوع كما "التأخير في تفعيلِ عمل الهيئة الناظمة لقطاع النفط المُعطَّلة بسبب الخلاف على الصلاحيات"، هي ملفات مشتركة وغالبيتها في يدّ وزراء التيار الوطني الحر.
مفيدةٌ "التناقضات" في حساباتِ رئيس حركة أمل الذي لا يتعب من العمل السياسي ويصيبه الروتين بـ "الشلل السياسي"، فاعتاد على تقلّبات الصيغة اللبنانية ومزاجية حكامها وبات "الثابت والمتحول" على مدى عقود من التاريخ السياسي المعاصر.
"ليبانون ديبايت" - علاء الخوري