يجري الحديث عن 20 الف تلميذ جديد وافد إلى المدرسة الرسمية. يقال أن الإقبال على التعليم الرسمي هذه السنة استثنائي بامتياز، والسبب هو الضائقة المعيشية التي اوقعت قسماً من اللبنانيين في حالة العجز، انعكست على مداخيلهم وعدم قدرتهم على الاستمرار في تعليم اولادهم في المدرسة الخاصة. لكن المفارقة أن أكثرية هؤلاء التلامذة الذين ينتقلون إلى الرسمي كانوا ينتسبون الى مدارس خاصة دون المستوى المتوسط ومنها ما يوصف بالتجارية ولا تقدم تعليماً نوعياً، وهي في الاساس جزء من شبكة التنفيعات والتوظيفات وأعطيت تراخيص خلال السنوات السابقة، ولا تزال تستقطب تلامذة من أهالي يرون في التعليم الخاص مهما يكن مستواه موقعاً مميزاً في السلّم الاجتماعي.
العودة إلى التعليم الرسمي كملجأ أخير هذه السنة لا يجدد الثقة به أقله بالنسبة إلى الاهالي الذي ينقلون أولادهم إضطراراً إليه، وهو الذي يعاني من أزمات تجر ذيولها سنة بعد سنة من دون أن نجد رعاية جدية ترسخ مكانته كما كان في فترة سابقة، حيث استقطب نحو نصف تلامذة لبنان. قبل ذلك، يطرح الرحيل من المدرسة الخاصة إلى الرسمية تساؤلات حول الأزمة التي يعانيها الخاص، وإن كانت الأرقام التي يجري التداول بها تقريبية، إنما تدل فعلاً على مأزق التربية في لبنان، حيث أن نحو 60 في المئة من تلامذة الخاص لم يسددوا أقساطهم كاملة، وأن البعض منهم بالمئات تترتب على كل واحد منهم أقساط متراكمة تتجاوز الـ25 مليون ليرة، ما دفع غالبية المدارس لتجميد اقساطها هذه السنة، خوفاً من نزف تلامذتها، علماً أن كثراً من اللبنانيين أيضاً نقلوا أولادهم من مدارس خاصة أقساطها مرتفعة إلى مدارس متوسطة، وهؤلاء لم يجدوا في التعليم الرسمي منقذاً لهم، فابوا نقل أولادهم إلى مدارسه.
الإقبال الإستثنائي على المدارس الرسمية في مختلف المحافظات قد يرفع عدد تلامذة الرسمي إلى 32 في المئة من العدد الإجمالي لتلامذة لبنان، لكن هذه النسبة لا تزال بعيدة عما كان يحتضنه التعليم الرسمي قبل الحرب أي 42 في المئة وأكثر في سنوات مختلفة. وقد تستوعب المدرسة الرسمية أعداداً إضافية لكنها في الحقيقة لا تستطيع أن تقدم التعليم المناسب لهم، فالمشكلة ليست في فتح مدارس لدوام بعد الظهر، بل في تأمين المعلمين المؤهلين القادرين على التعليم في المواد الأساسية، علماً أن الغالبية اليوم هم من المتعاقدين الذين دخلوا في حقبة التوظيف العشوائي من خط التعاقد السريع ومن دون المرور بمؤسسات إعداد مناسبة، فيما جرت الاستعانة بأساتذة لتعليم العدد الهائل من التلامذة اللاجئين في المدارس الرسمية ذاتها، ما يطرح تساؤلات عن كيفية تأمين مقعد دراسي لكل تلميذ، فيما يوجد مدارس في مناطق لبنانية عدة لا يبلغ العدد فيها مئة تلميذ وتلميذة وفيها عشرات الأساتذة. فهل تثبت المدرسة الرسمية انها ملجأ بديل للبنانيين؟
ابراهيم حيدر - النهار