بادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى اتخاذ جملة خطوات على أثر عودته من نيويورك بعد مشاركته في أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، تتصل بالدفاع عن موقعه وسياسته، في ظل اعتباره أن عهده مستهدف في التوتر الذي أصاب السوق النقدية وفي الحملة التي طاولته حول العدد الذي اصطحبه معه والذي تمت المبالغة فيه وفق ما قال، ولاحقا في الاحتجاجات التي رفعت شعارات واضحة ضده كما ضد الحكومة ورئيسها. وسقط مقال في إحدى الصحف الاميركية المعروفة يطاول رئيس الحكومة سعد الحريري في موقع استهدافه سياسيا وشخصيا في هذه المرحلة التي يتم فيها تقاذف كرة النار حول المسؤوليات في البلد على خلفية تحميل فريق سياسي معين مسؤولية الوضع الاقتصادي وتراكمات تعود الى 30 سنة خلت، خصوصا في ظل تساؤلات طرحها كثر عن أسباب إثارة مسألة تتصل برئيس الحكومة وتعود لسنوات، وفي ظل ابتعاد الحريري عن رئاسة الحكومة وعدم مقاربته أموال الدولة من قريب او من بعيد، وكذلك إثارة تساؤلات حول من يكمن وراء ذلك ولاي سبب، وما هو الهدف من تسليط الضوء على أمر يعود لأعوام عدة. ويعود ذلك الى أن حربا ضروسا تقوم في المنطقة، كما أن هناك حربا سياسية قائمة في لبنان على المستوى المحلي، تعبر عن التداخل الاقليمي على الساحة اللبنانية. ولهذا لا ينظر ببراءة الى هذه التطورات، بل بريبة كبيرة على خلفية ما اذا كانت هناك محاولات لإحراج رئيس الحكومة من أجل إخراجه، خصوصا إذا كان ثمة من يعتقد ان تنفيس الوضع يمكن ان يحصل عبر إطاحة الحكومة او رئيسها او تكبير مساحة عدم الثقة به او بإدارته للازمة الاقتصادية والمالية، ولا سيما في ضوء تسوية رئاسية، بسببها لا يزال يناله من شركائه الجدد سهام تنال من إرث والده الشهيد.
ولا يرى سياسيون واقتصاديون في الاجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية في الايام الاخيرة ما يمكن ان يدرأ عنه ما بات يخشى ان يحمل لعهده من انهيار او تدهور مالي، خصوصا ان الاندفاعة السياسية في الاستحواذ على الحكومة وقراراتها الاساسية من قصر بعبدا قد تضع الكرة في ملعبه أكثر من رئيس الحكومة الذي يعتب عليه كثر لتخليه عن المبادرة في مسائل كثيرة لمصلحة عدم الرغبة المعلنة في الاختلاف مع رئيس الجمهورية. يحتاج رئيس الجمهورية في الدرجة الاولى الى رسالة قوية جدا من أجل استعادة ثقة اللبنانيين بأن الدولة لا تزال قادرة على حماية مصالحهم وأموالهم ومستقبلهم، وهذا غير متوافر الآن، أيا تكن الاسباب، ولكن المطالعات التي تصدر عن بعض النواب العونيين لا تساعد في هذا الاطار مقدار ما تثير استفزازات لا يحتاج اليها العهد، خصوصا في هذا التوقيت. اذا رأى رئيس الجمهورية ان الحكومة قاصرة عن القيام بدورها فالامر لا يتم معالجته عبر الاعلام بل بوسائل اخرى، اذا كان هناك حرص على فاعلية الحكومة وبقائها، علما أن للعهد وحلفائه ما يقارب ثلثي الحكومة التي تقيد رئيسها في الواقع، فيما تكشف مصادر مسؤولة استماتة الحريري دون سائر المسؤولين لمعالجة الوضع ومحاولة الإنقاذ. الرسالة القوية التي يمكن رئيس الجمهورية توجيهها، تتعلق بخطوة يمكن أن تؤشر لدحض كل ما يحوط بموضوع ملف الكهرباء الذي يجمع كل الافرقاء، على أنه النزف الاكبر والاهم لخزينة الدولة ولعجزها المتمادي. وحتى اليوم لا يستطيع أي مسؤول أن يشرح الدهاليز التي تتم قيادة اللبنانيين عبرها، في الوقت الذي صدف أن هذا الملف هو بين أيدي وزراء التيار العوني منذ سنوات. الخاصرة الرخوة بالنسبة الى عهد الرئيس عون هي ملف الكهرباء من زاوية استنزافه مالية الدولة، ومن زاوية مسؤولية تياره عنه مباشرة، على خلفية أن هناك عدم شفافية في التعامل مع هذا الملف الذي أجمع كل من في الداخل كما كل الوكالات والملاحظات من الخارج على أساليب لإقفاله من دون جدوى. ويعتقد هؤلاء الخبراء أن الخطوات المنوي اعتمادها حتى في اعداد موازنة متقشفة لن تشفي غليلا في اي حال ولن توقف المسار الذي يدفع اليه البلد، بحيث يحتاج الى اشارات اقوى من اجل طمأنة الناس واستعادة ثقتهم. ذلك ان دعم الليرة اللبنانية بالإنتاج يحتاج الى تأمين الكهرباء التي لا تزال تتخبط بين مشاريع غير مفهومة، فيما يمكن تلزيم هذا الملف لإحدى الشركات الاجنبية التي تم طرد البعض منها في وقت سابق ورفضت عروضها من اجل ان تؤمن الكهرباء في لبنان خلال سنة بتمويل من البنك الدولي. وهذا سيسجل إنجازا لعهد رئيس الجمهورية ويوجه رسائل ايجابية ليس الى الداخل فحسب، بل الى الخارج الذي ينتظر خطوات جدية على طريق الاصلاح، ولا سيما في ملف الكهرباء لم يحصل منها أي شيء بعد. واذا توافر هذا المسار لملف الكهرباء فمن شأنه الى جانب موازنة لا تلحظ ايا من المشاريع الجانبية الخارجة عن اطار الرواتب للقطاع العام والفوائد باعتبارها تدخل في مشاريع مؤتمر سيدر والبنك الدولي، ان يشكل خطوات أولى على طريق خفض العجز الذي لا بد منه، تحت طائل ان يواجه البلد اكثر بكثير من النموذج الذي شكلته التطورات الاخيرة.
ثمة من يخشى ان يدفع عدم القدرة على اتخاذ الاجراءات الصحيحة الى خطوات عشوائية تحت شعار استعادة الاموال المنهوبة او اي شعارات مماثلة، من أجل إظهار الجدية والصدقية في العمل الانقاذي، في الوقت الذي قد تساهم فيه أي إجراءات تتسم بطابع طائفي او مذهبي او بطابع انتقامي في زيادة الوضع سوءا، وربما أكثر من ذلك.
روزانا بومنصف - النهار