أخبار عاجلة
بشأن وقف النار في لبنان.. رسائل بين واشنطن وطهران! -
أميركا: قصف منشأة لتخزين الأسلحة في سوريا -
بيان جديد لمصرف لبنان -

علاقة الحكومة و"العهد" أسوأ من حال الاقتصاد!

علاقة الحكومة و"العهد" أسوأ من حال الاقتصاد!
علاقة الحكومة و"العهد" أسوأ من حال الاقتصاد!

المعضلة التي يعانيها الرئيس مع جمهوره وتياره، هي واقعيته بالتعامل مع النتيجة الجلية للوضع العربي، المتراجع والمنكفئ. وهذا ما لا يقبلونه منه. المشكلة هنا أن صورة الرجل السياسية، الراسخة في الأذهان، هي تلك التي ارتسمت في مرحلة صعوده، من دون النظر إلى التغير والتحول اللذين أصابا الواقع. لذا، يستمر الحُكم عليه وفق تلك الصورة الأولى، بكل ما تختزله من ذروة سياسية وتماسك في الخطاب والمقدرة أثناء المواجهات الكبرى التي سبقت "اتفاق الدوحة". والناس التي غلبها اليأس، لا تزال غير مسلّمة بما أتى من أحداث وما ترتب عليها داخلياً، وبما أصيب به العرب من نكسات متتالية أيضاً، من سوريا إلى اليمن. ولهذا السبب، تلجأ إلى تحميل الحريري ما هو غير قادر على تحمله.

الفارق بين سعد الحريري وجمهوره أنه في موقع القرار، وبين يديه ما يريد الحفاظ عليه.. خوفاً من الاضمحلال. لذا، يلجأ إلى تقديم التنازلات، فيما لا يمتلك جمهوره غير الغضب. وعلى هذه الحال يجد نفسه كأنه الحلقة الأضعف المستهدفة من داخل بيئته، إما بدافع الحنق أو الغضب العتب، وإما بدافع "المصالح السياسية" المتضاربة. وفي كل الاحوال هو غير قادر على أخذ خيارات جذرية سياسياً قد تعيد منطق الانقسام الحاد في البلاد. مع ذلك أيضاً، هو قادر على فعل ما لا يقوم به حتى الآن، لناحية الحفاظ على التوازن. وهذا يتعلّق بشخصيته التي لا تهوى المواجهات. فعند لحظة التسويات مستعد لتقديم كل شيء بسهولة. وهذه المشكلة الأساسية معه.

في مراضاة عون وباسيل
كذلك، يجد الرجل نفسه مستهدفاً من خصومه أو شركائه في السياسة والسلطة. حتى أنه ما برح يكرر السؤال: "ماذا يمكنني أن أفعل أكثر من ذلك؟ ما الذي يريدونه بعد ولم يحصلوا عليه؟ وكلّما قدّمت حلولاً أو تنازلات، كانوا يقولون هل من مزيد". هذا الواقع، يدفع الرجل إلى حدود القرف، لكنه لا يرى نفسه قادراً على مغادرة الحكومة. فاللعبة اللبنانية معروفة وثابتة، من يغيب عن السلطة، يغيب عن المشهد. والناس تسارع إلى نسيانه والالتحاق بمن هو في المقدمة.

أقصى ما يقوم به الرجل هو الحفاظ على الوجود السياسي، هو الذي خرج مهشّماً من معارك سياسية ومالية، عربياً ومحلياً. لم يجد خياراً أمامه سوى التسليم بالوقائع السياسية الجديدة في لبنان، والتعاطي معها بواقعية. ولكنه على الرغم من ذلك، وتقديمه كل ما بإمكانه تقديمه، لا يجد مأمناً أو مكافئاً في ما يقوم به. مثلاً، في الوقت الذي زار الولايات المتحدة الأميركية، وما سُرّب من أجواء حول دفاعه عن "صديقه" جبران باسيل، كانت الحملة مستمرة عليه في لبنان من أوساط "الصديق".

هذه المفارقة وتصرفات أخرى لسعد الحريري تدفع إلى طرح الكثير من الأسئلة حول كيفية تفكيره في هذه المرحلة. فهو مستعد للتخلي عن كل حلفائه وأصدقائه لصالح مراضاة جبران باسيل ورئيس الجمهورية. تجاوزَ علاقته بالقوات اللبنانية ودخل في خلاف سياسي معها، كرمى لعيون باسيل. ومرّ في حقبات متوترة جداً بعلاقته مع وليد جنبلاط والرئيس نبيه برّي، أيضاً كرمى لعيون تحالفه واتفاقه مع عون وباسيل. صحيح أنه نال من هذه المواقف رئاسة الحكومة وكسب موقعه في السلطة. لكنه أيضاً نال في المقابل من الطاقم العوني الباسيلي الكم الهائل من الاتهامات تارة بالتخوين وطوراً بالعرقلة أو بالفساد أو بتحميله ووالده مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي.

التوجس من "ترويكا" جديدة 
متانة الشراكة بين باسيل والحريري لم تمنح الرجل صك براءة. فلطالما عمل التيار الوطني الحرّ على توجيه الاتهامات للحريري وتحميله مسؤولية الفساد، بدءاً من حملة مكافحة الفساد التي اطلقت في مجلس النواب بعد الانتخابية النيابية، وصولاً إلى استهدافه وفؤاد السنيورة في قضية "الأموال المنهوبة". وفي الوقت الذي يستعد فيه جبران باسيل لزيارة المقر المركزي لتيار المستقبل، في مسعاه لتبييض صفحته وصورته لدى التيار الأزرق، وفتح علاقات مباشرة مع السنّة تمهيداً لمعركته الرئاسية، كان المستقبل (والحريري شخصياً) يتعرض لأعنف الهجمات من نواب التيار الوطني الحرّ. وهذا أيضاً ما لا يُفهم فيما يفعله الحريري، بينما مفهومة غاية التيار واعتيادنا على أسلوبه بفتح النار على من يريدون منه تنازلاً أو مكسباً.

كلام رئيس الجمهورية إثر عودته من نيويورك، وتحمليه مسؤولية الأزمة المالية والاقتصادية لحاكم مصرف لبنان وهو يقصد الحريري، ووزير المال وهو يقصد الرئيس نبيه بري، نقل الخلاف في البلاد إلى مرحلة جديدة، تتزامن مع حملات نواب التيار الوطني الحرّ المركزة على سعد الحريري ورفيق الحريري، بتحميلهما مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. ودوافع الرئيس إلى شنّ هذا الهجوم تتخطى مشهد الاتفاق في المجلس النيابي بين الحريري وبري وجنبلاط. إذ استشعر عون أن هناك "ترويكا" يعاد إنتاجها لتطويق العهد.

لقاءات ماكرون والقرف
أساس هجوم عون على الحريري كان على خلفية اللقاءات التي عقدت مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بعدما اعتبر رئيس الجمهورية أن الحريري نقل شكاويه وملاحظاته على العهد والوزير باسيل للرئيس الفرنسي، محاولاً إدخاله في التفاصيل اللبنانية، لإنجاز بعض الملفات المطلوبة للحصول على مسىاعدات مؤتمر سيدر. كما أن هناك اعتقاداً سائداً أن الحريري طلب من ماكرون الضغط على عون وباسيل لوقف عرقلة المشاريع، رغم أنه قدّم كل ما طلب منه ولو على حساب شعبيته وحلفائه. وعندما حصل اللقاء بين ماكرون وعون، ولدى إبداء الرئيس الفرنسي ملاحظاته، قام عون وباسيل بشنّ هجوم مضاد على الحريري وتحميله مسؤولية كل ما يجري، ناسفين كل ما قاله. وجزء من الكلام الذي قيل بحضرة ماكرون تُرجم في كلام نواب التيار الوطني الحرّ بهجومهم على الحريري. بل وليس بريئاً التلويح بفرط الحكومة، عبر تسريب إعلامي تم نفيه لاحقاً. لعبة ابتزاز الحريري واضحة هنا.

لهذا كله، يجد الحريري نفسه اليوم محاطاً بالتهجم عليه من كل حدب وصوب. في السياسة، وفي الصلاحيات، ومؤخراً في الافتراء على أدائه وأداء كل وزرائه. وهو الآن يعبّر بتأثر عن قرفه مما يجري. ويردد أن الأمور لا يمكن أن تستمر كذلك، لأنه أصبح مثخناً بالطعنات.

منير الربيع - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى