إن لم تكن قد وقعت فإنها تترنح، كان ذلك واضحاً منذ زمن، ولم يكن هذا البلد التعيس في حاجة الى النرابيش في محطات البنزين تهدد برفع العشر إستسلاماً، فقبلها كان المواطنون قد رفعوا العشرين وشقوا الحناجر، ولكن لم يكن هناك من مسؤولية، من مسؤول واحد، من مرجعية واحدة، تسمع الصراخ وترى ان الطريق التي تسلكها دولة السرقات والسمسرات وتقاسم الحصص والتي تأكل البلد، يتنبه الى ان الوضع سيدفع بالشعب الى الجحيم.
ها هو الجحيم يقرع أبوابك أيتها الشعوب اللبنانية، التي تتناحر على نية الطوائف والمذاهب، وهذا ما جنته أصواتك الانتخابية : من جديد محطات البنزين تعوّي فقد عدنا الى زمن الوقوف بالصف، للحصول على صفيحة قد تكون مهربة غداً. وها نحن على شفير العودة الى صفوف الشحاذين، يقفون طوابير أمام الأفران للحصول على رغيف لأطفال جائعين. وسنعود غداً الى ذرف الدموع للحصول على حبة دواء، وهو ما لم نعرفه في عز أيام الحرب السوداء. وها هم أصحاب المولدات يرفعون العشر، ويرفعون عصا العتمة في وجه البلد الكالح أصلاً، مع هذه الخردة المليارية المسماة شركة كهرباء، والتي كانت تفقس الصيصان كما قيل، وكل هذا لم نعرفه حتى في أيام الشرقية والغربية لا أعادها الله قط وها هم الأولاد المساكين يعودون مطرودين من المدارس لأن الوالد التاعس لا يملك القسط ولا يتقاضى راتبه أو لا يجد عملاً. ها هي البقرة تترنح أينما كان وتكاد ان تقع في أي لحظة، ولكن بالله عليكم أيها المواطنون السعداء هل شاهدتم يوماً إجتماعاً لرعاة الشعب لهؤلاء المسؤولين من وزراء ونواب ولم تكن ضحكة كل منهم رطلاً، كما يقال. على مَ يضحكون، فعلاً كيف يضحكون، كيف يستطيعون ان يضحكوا؟
كيف يستطيعون الضحك والبلد يبكي. كيف يتراشقون بالإبتسامات واللبنانيون يتراشقون بالقهر والقلق والشكوى. كيف يذهبون الى المطاعم وهناك أطفال يبحثون عن فتات خبزة في القمامة. كيف يرقصون ويغنون والبلد طيور مذبوحة من الألم؟
لن أكمل في طرح الأسئلة التي سيجدونها سخيفة حتماً، فهل نسيتم أيها اللبنانيون النقّاقون، أننا في حال طوارئ إقتصادية، وفي حالات الطوارئ يجوز لكم أكل الجرذان مثلاً؟ وبكثير من الجد، كيف يمكن الحكومة ومجلس النواب من غير شرّ، ان يجتمعا ويتناقرا على المشاريع مسيحية وسنية وما الى ذلك، وكل المسيحيين والمسلمين والدروز والمكتومين والطفّار على متن تايتانيك الغارقة. كيف يعود الرئيس سعد الحريري من إجتماعه مع ايمانويل ماكرون، وبعد الحديث عن مضبطة مطالب رقابية وشروط وضعتها الدول المانحة وهيئتها الرقابية [المشكورة والضرورية]، لا نقفل الأبواب في اجتماعات مفتوحة، ونتفق بهدوء ومسؤولية على ما تفرضه الطوارئ الاقتصادية التي قرعنا طبولها، هل من الضروري ان نتخانق وان نرسل الى الغرب صورة عن مدى تحسسنا وحرصنا على معالجة موقفنا الإقتصادي الرث؟ أوليس في كل هذا الطقم السياسي الموقر، من يملك القدرة على القول لمن وظّفه أخيراً كرشوة إنتخابية إعطنا عرض أكتافك. وماذا تفعل دربكات كل هذه "المجالس الوطنية" وتنفيعاتها سوى الهبج وقبض الرواتب. من الذي يسهر على المعابر شرعية وغير شرعية، ونحن دولة المسخرة نختلف على عدد موظفينا وعلى عدد المعابر إلينا وفينا؟!
يا جماعة، البقرة وقعت ولم تعطونا إسماً واحداً من أسماء الذين حلبوها وسلخوها وأكلوا لحمها والعظام، إسماً واحداً فقط، أم تحسبون أننا شلعة من البقر، نسرح في برية يؤججها سعير جهنم التي قد تأكلنا وتأكلكم بإذن الله؟!
راجح الخوري - النهار